ما يرد من تل أبيب من تقديرات ترتبط بتداعيات موقفها من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، هي نصف حقائق ونصف تقديرات، إن لم تكن الأنصاف نفسها، مشوّهة.تتحدّث إسرائيل عن مواقف روسيا منها، ومن بينها السماح لها بتوجيه ضربات في سوريا. وهنا، يجري التطرّق إلى حدّين اثنين:
الحدّ الأول، أنّها حليفة للغرب وأميركا، وعليها وفقاً لهذا الاعتبار أن تقف ضدّ موسكو، إلى جانب حلفائها؛ أما الحد الثاني، فيتمثّل في مصلحة إسرائيل في الإبقاء على الرضا الروسي عنها، كي تستمرّ في توجيه ضربات لأعدائها في سوريا. وبين هذا وذاك، تختلف المقاربات الإسرائيلية، بين خبرائها ومعلّقيها وسياسيّيها، وإن كان الموقف الرسمي، يغلّب، إلى الآن، اتجاه التملّق للروس، طالما أنّ الولايات المتحدة تتفهّم ذلك، ولا تطالب تل أبيب بمواقف متطرّفة من موسكو.
القراءة، على هذا الصعيد، تُشير إلى أنّ تل أبيب هي من تقرّر الموقف الروسي منها، بناء على ردّة فعل روسيّة على فعل إسرائيلي مبادَر إليه، شجباً أو تأييداً لـ«الغزو الروسي» في أوكرانيا. إلّا أنّ هذه تبقى نصف الحقيقة. فماذا عن موقف روسيا نفسها من إسرائيل، إن لم يكن مبنياً على ردود الفعل. ماذا عن المصلحة الروسية، المقدّر أن تكون مغايِرة، في اليوم الذي يلي أوكرانيا؟
في الرواية الإسرائيلية لـ«التنسيق العسكري» في سوريا، الذي يمكّن تل أبيب من توجيه ضربات لأهداف سورية وإيرانية، ولأهداف تابعة أيضاً لحزب الله، ديباجة أسباب لا تغادِر أيّ مقاربة إسرائيلية للضربات منذ سنوات: إسرائيل وروسيا معنيّتان، كلٌّ وفقاً لأسبابه الخاصة، بإخراج إيران من سوريا، الأمر الذي يدفع موسكو لـ«التساهل والموافقة» على حالات توجيه الضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية، هذا إن لم تطالب روسيا بها، بين الحين والآخر .
لن تكون موسكو في سوريا وفي غيرها مجرّد جهة تتلقّى فعلاً لتردّ عليه بأفعال


تستمرّ إسرائيل بالإعلان عن الديباجة ذاتها، في مرحلة بات عليها أن تعيد حساباتها الكليّة من المقاربة الروسية، التي من المرجّح أن تكون بعد أوكرانيا، مغايِرة لما قبلها. وهنا، يجب على صانع القرار في تل أبيب أن يجيب على التالي:
ماذا عن فرضية أنّ موسكو، في مرحلة حصارها الاقتصادي، ستكون بحاجة إلى طهران، بما لا يقلّ عن حاجة هذه الأخيرة إليها، هذا ان لم يكن أزيَد، ربطاً بأنّ المواجهة مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً، هي حصار يهدف إلى نتيجة صفرية: إسقاط النظام الروسي. ماذا عن فرضية أن تعطي موسكو، طهران «دفعة مقدّمة» في الساحة السورية، بعدما لم تعد معنية، مع أرجحية مرتفعة، بأن تخرج الوجود الإيراني منها؟
وأكثر من ذلك، ماذا إن كانت معنيّة أيضاً، باستمرار وجود إيران وحلفائها المباشرين في سوريا، وبزخم وقوة، لأنّها من ضمن أسباب أخرى، ستكون بحاجة إليهم لصدّ ومواجهة إمكان أن يقدم الغرب على إزعاج روسيا في سوريا، عبر استئناف تدخّله بمستويات قد يراهن عليها من جديد، لضرب الدولة السورية والوجود الروسي فيها، في الوقت نفسه؟
إضافة إلى ما تقدّم، على إسرائيل أن تسال نفسها: هل تقدر أن تكون أميركا متسامِحة معها، في أن تخرق توجّهاتها الرامية إلى حصار موسكو وإن نسبياً؟ وهل لتل أبيب القدرة على الوقوف في وجه واشنطن، ورفض طلبها إن لم تكتفِ بالأُمنيات وفرضت إرادتها عليها؟
كيفما اتفق. لن تكون موسكو، في سوريا وفي غيرها، مجرّد جهة تتلقّى فعلاً لتردّ عليه بأفعال. بل هي أيضاً معنية، وربّما أكثر من أيّ وقت مضى، بأن تكون هي مصدر الفعل الأول، كي تحصّل الفائدة الكاملة في كلّ ساحة واتجاه ممكنَين، في ظرف بات أكثر من ضاغط عليها.