لم يتحقّق لإسرائيل ما كانت ترغب به من حياد - وإن لفظي - إزاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. الواضح أن صدور بيانٍ ثانٍ عن تل أبيب يدين موسكو لـ«هجومها العسكري» على كييف، بعد يوم واحد من صدور بيان أوّل حرص المسؤولون الإسرائيليون على أن لا يَذكروا روسيا فيه بالاسم، ويكتفوا بالإعراب عن دعمهم لـ«وحدة أوكرانيا وسيادتها على أراضيها»، إنّما يشير إلى تدخّل خارجي، أميركي على وجه التحديد، دفَع إسرائيل دفْعاً إلى فعل ما كانت تحرص على أن تبتعد عنه، كي لا تُغضب الجانب الروسي، الذي يمكنه إن أراد، أن يضغط على الدولة العبرية في أكثر من اتّجاه، أمنياً وعسكرياً، وتحديداً على الساحة السورية، وربّما أيضاً في ما وراءها. لكن هل تعمد موسكو إلى تفعيل ضغط من هذا النوع؟ حتى الآن، لا إجابات قاطعة، وإن كان السؤال حاضراً بقوّة على طاولة التقدير في إسرائيل، ومحلّاً لأخذ وردّ مع روسيا، التي أرسلت في الأسابيع الأخيرة إشارة دالّة إلى نيّتها كفّ اليد الإسرائيلية عن سوريا، ولو نسبياً وجزئياً، علماً أن الاعتداءات الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية انحصرت في القصف الصاروخي، من دون استخدام سلاح الجو.الأكيد أن روسيا معنيّة في المرحلة الحالية بأن لا تزعج أيّ جهة إقليمية أو دولية ابتداءً، ما لم تبادر هذه الجهة إلى الإضرار عملياً بها على خلفية الحرب في أوكرانيا. فهل بيان الإدانة الإسرائيلي كافٍ ليدفع موسكو إلى الردّ على تل أبيب في سوريا؟ يَصعب الجزم من الآن، وإن كان الاحتمال الأكثر رجحاناً إحداث تجميد من نوع ما أو تقليص محدود، لا يلغي المناورة الإسرائيلية في سوريا بالكامل، في انتظار أن تُبلور روسيا قرارها النهائي، وفقاً للتطورات. وفي هذا السياق، توقّفت وسائل الإعلام العبرية، أمس، أمام ما وصفته برسائل روسية ردّاً على البيان الصادر عن تل أبيب، وذلك في الهجوم الملفت للجانب الروسي على خلفية «الاحتلال الإسرائيلي للجولان»، والذي أثار علامات استفهام حول التوجّه الروسي العملي لاحقاً، وتحديداً في ما يتعلّق بـ«حرية عمل» إسرائيل في الساحة السورية. إذ أكد نائب السفير الروسي في الأمم المتحدة، ديمتري بولانسكي، خلال جلسة الإحاطة لمجلس الأمن عن الوضع في الشرق الأوسط، أن روسيا لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وأنها «قلقة من الخطط التي تعلن عنها تل أبيب لتوسيع النشاط الاستيطاني هناك، والتي تتعارض بشكل مباشر مع بنود اتفاقية جنيف لعام 1949».
الأكيد أن روسيا معنيّة في المرحلة الحالية بأن لا تزعج أيّ جهة إقليمية أو دولية ابتداءً


وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، وصف، في بيان الإدانة، «الهجوم الروسي على أوكرانيا» بأنه «انتهاك خطير للنظام الدولي»، مبدياً استعداد إسرائيل لـ«تقديم المساعدة الإنسانية لمواطني أوكرانيا». لكن ما يلفت في البيان هو تظهير تل أبيب نفسها مُريدة للسلام ومُبغضة للحروب، وإن كان وجودها وبقاؤها مبنيَّين على القتل وسلب الآخرين حقوقهم، شعوباً وأفراداً. إذ وجّه لابيد «نصائح» إلى الجانب الروسي في سياق البيان نفسه، قائلاً: «إسرائيل دولة خاضت حروباً، إلّا أن الحرب ليست هي السبيل لحلّ النزاعات. الساعات والأيام الأولى من أيّ حرب، هي ساعات وأيام أخيرة يمكن فيها وقف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات بوساطة القوى الدولية، لتسوية النزاعات سلمياً». وإذا كانت واشنطن هي التي تقف خلف ذلك الموقف، وهو الأرجح، فالمنتظَر أن تواجه تل أبيب تحدّيات يصعب عليها تجاوزها، عنوانها الاختيار القسري بين روسيا والولايات المتحدة. ولعلّ هذه المعضلة المرتقبة هي التي تفسّر تردّد لابيد بعد أن سأله إعلاميون عن الموقف العملي في حال فُرضت عقوبات على روسيا، إذ اكتفى بالقول: «سنفكّر في ما سنفعله».