نفى الكرملين أن يكون بوتين قد وعد بعدم إقامة تدريبات عسكرية على حدود أوكرانيا
مع ذلك، ظهر تضارب في تفسير ما توصَّل إليه الرئيسان؛ إذ قال مسؤول فرنسي، لوكالة «رويترز»، إن بوتين تعهّد بعدم إجراء مناورات عسكرية جديدة قرب أوكرانيا في الوقت الراهن، تمهيداً للتوصّل إلى تهدئة، مضيفاً إن الرئيس الروسي وافق أيضاً على سحب القوات المشارِكة في مناورات عسكرية في بيلاروس بالقرب من الحدود الأوكرانية، بمجرد انتهاء تلك المناورات. في المقابل، أكد الكرملين أن القوات ستعود إلى قواعدها في روسيا بعد انتهاء التدريبات في بيلاروس، من دون تحديد موعد لهذه العودة، فيما نفى المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن يكون بوتين قد وعد ماكرون بعدم إجراء مناورات قرب أوكرانيا. ولفت بيسكوف إلى أن روسيا وفرنسا لم تتمكّنا بعد من التوصّل إلى اتفاق على تخفيف التوتّر، إلّا أنه قال إن الاجتماع وفّر الأساس للمزيد من العمل بهذا الخصوص.
جهود ماكرون تواصَلت على الضفّة المقابِلة بلقائه الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلنسكي، والذي يسبق اجتماعه في برلين بالمستشار الألماني، أولاف شولتز، العائد للتوّ من واشنطن، في إطار سلسلة جهود دبلوماسية أوروبية خلال الأسبوعَين الحالي والمقبل. وأكد شولتز، خلال لقائه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن، أن الولايات المتحدة وألمانيا «متّحدتان بشكل مطلق» بشأن العقوبات التي ينبغي أن تُفرض على روسيا إذا هاجمت أوكرانيا، فيما جدّد بايدن التحذير من أن هجوماً روسيّاً سيعني «نهاية» خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2». والأكيد أن ربط مصير «نورد ستريم 2» بالأزمة الأوكرانية لا يأتي من عبث؛ فواشنطن و«الناتو» يواصلان جهودهما لمنع تحكُّم روسيا بتدفُّق الطاقة إلى أوروبا في حال نشوب أيّ نزاع، على رغم أن جهودهما لتوفير الغاز المسال من دول حليفة لم تصل بعد إلى نتائج مضمونة. وإذ أعاد «الناتو» إحياء فكرة خطّ أنابيب «ميدكات»مع إقليم كتالونيا في فرنسا «من أجل الاستقلال عن روسيا»، يُثار الكثير من الشكوك في إمكانية نجاح هذه الفكرة. أمّا واشنطن التي نالت موافقة أوروبية على تطوير شراكة في مجال الطاقة، فتحاول الاستفادة من الوضع لتسويق غازها المسال في القارة العجوز، بحسب ما يرى العديد من الخبراء الروس.
تحوُّل آخر بدا لافتاً في الأيام القليلة الماضية، تمثّل في تراجع وتيرة التصريحات «الأطلسية» حول نية روسيا غزو أوكرانيا، في ما أنبأ بفشل «سيناريو الحرب» الذي دأبت واشنطن منذ أشهر على الترويج له. ويتّضح هذا من خلال بيان وكالة «أسوشييتد برس» الذي أكد أن الصحافيين في الولايات المتحدة «ليسوا مستعدّين لأخذ كلام واشنطن في ما يتعلّق بالمجالات الاستخبارية والعسكرية، على محمل الجدّ»، وخصوصاً الحديث عن إعداد موسكو شريط فيديو يُظهر هجوماً أوكرانياً يبرّر لروسيا غزو جارتها. وقالت الوكالة إن الثقة «تضاءلت على مدى عقود بسبب حالات الأكاذيب والتزوير والأخطاء».
وفي ظلّ هذه الأجواء، لا يزال الميدان العسكري مسرحاً للبعْث برسائل متضادّة من قِبَل كلّ الأطراف. فموسكو تُواصل إظهار جاهزيتها لأيّ احتمال عبر المناورات العسكرية، وآخرها في البحر الأسود، حيث تتّجه 6 سفن حربية روسية قادمة من البحر المتوسط إلى المنطقة للمشاركة في التدريبات. أمّا «الناتو» فيتابع إمداد كييف بأنواع مختلفة من الأسلحة، في وقت أرسلت فيه واشنطن باكورة القوات الأميركية إلى رومانيا، في إطار مساعيها لتعزيز الدول الأعضاء في حلف «شمال الأطلسي» في شرق أوروبا.