أعادت الأزمة الجارية في الصومال (منذ نهاية عام 2021)، بين الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي، فتْح الباب على حقبة جديدة من الفشل، ولا سيما في ظلّ تداخُل العوامل المحلّية والخارجية، وتصاعُد موجة عنف الجماعات الإرهابية، خصوصاً جماعتَي «الشباب» و«نصرة السنة والجماعة» اللتين عادتا إلى الواجهة مرّة أخرى في إقليم بونتلاند، ويُتوقّع تَمدّدهما في حال استمرار الأزمة، فضلاً عن تركّز الجهود الدولية في القرن الأفريقي في كينيا (المنخرطة في أزمة حدودية مع الصومال)، والترقّب الدولي والإقليمي للترتيبات الأمنية والعسكرية في هذا البلد، عقب انتهاء ولاية بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم).
عودة الاستقطاب السياسي
تصاعَد الاستقطاب الحادّ أخيراً بين فرماجو وروبلي، على خلفية إعلان الرئاسة أن تعليق عمل الأخير جاء بسبب شكوك في «فساده» بشأن أراضي الدولة واتهامه بتأخير الانتخابات، فيما اتّهم روبلي، فرماجو، بمحاولة الانقلاب على الدستور، والتعدّي على صلاحيات رئيس الوزراء لإحكام قبضته على الرئاسة، ولا سيما أن خطوته تزامنت مع إطلاق الأوّل محادثات لـ«المجلس الاستشاري الوطني» لاستكمال رؤى المرحلة المتبقّية من الانتخابات. وسرعان ما تداعت تبعات هذا الاستقطاب طوال الأيام الأولى من العام الجاري، حتى تمكّن روبلي، في انتصار واضح وقتها، من عقد «المجلس الاستشاري» في 3 و4 كانون الثاني الجاري برئاسته، وحضور رؤساء ولايات الصومال الفيدرالية، فضلاً عن مجموعة من الدبلوماسيين والسفراء الأجانب تَقدّمهم رئيس بعثة الأمم المتحدة، فضلاً عن مرشّحي الرئاسة الصومالية. وأسفرت تلك المشاورات عن إعلان اتفاق (10 كانون الثاني) على استكمال الانتخابات البرلمانية في 15 الجاري و25 المقبل، وهو ما مثّل هدفاً في مرمى فرماجو، الذي قد يجد نفسه مجبَراً، في حال مُضيّ العملية كما هو مُخطَّط لها، على الاستقالة، خصوصاً في ظلّ تزايد الضغوط من مكوّنات سياسية وعشائرية مهمّة في الصومال على الرئيس لتقديم استقالته، أو في الحدّ الأدنى تقديم أوراق ترشّحه بصفته رئيساً سابقاً، تفادياً لإمكانية استغلاله نفوذه الحالي، أو ما اعتبره روبلي «استغلالاً للقوات المسلّحة للتدخّل في العملية الانتخابية».

التشابك الإقليمي
يمكن تلمّس تشابك المواقف الإقليمية في الأزمة الصومالية، في ضوء الصلة الوطيدة بين نظامَي فرماجو وآبي أحمد (رئيس الوزراء الإثيوبي)؛ إذ صوّتت الصومال، في منتصف كانون الأول 2021، ضدّ قرار أممي في مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في الصراع في إقليم تيجراي. ولفتت تقارير وقتها إلى تقصّي الأمم المتحدة دوافع الصومال للتصويت ضدّ القرار، ومدى ارتباط ذلك بإثارتها تحقيقات حول تورّط قوات صومالية بشكل مباشر في الصراع. وعلى رغم التناغم المُشار إليه، يبدو أن أديس أبابا تريد تلافي الصدام مع المواقف الأميركية والأوروبية في الملفّ الصومالي، مع ما يعنيه هذا من إمكانية التخلّي عن فرماجو، وفق ما أنبأت به المحادثة الهاتفية بين آبي أحمد والرئيس الأميركي جو بايدن، في 10 الجاري، علماً أن الرؤية الأميركية ظلّت حاكمة لعمل إثيوبيا في الصومال طوال العقود الفائتة. أيضاً، يَبرز التنسيق الأميركي - الكيني في الملفّ الصومالي، وهو ما تَجسّد في عقْد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، محادثات هاتفية مع الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا (29 ديسمبر)، أكد خلالها الأوّل معارضة بلاده تعليق عمل روبلي، مشدّداً على وجوب نأْي جميع الأطراف عن التصعيد، واستكمال الانتخابات البرلمانية والرئاسية على الفور. وعلى الصعيدَين الأمني والعسكري، اتّفقت الحكومة الصومالية مع الاتحاد الأفريقي (30 كانون الأول) على أن تبدأ فرق فنّية من الجانبين مناقشات في 10 الجاري ولمدّة 30 يوماً، لاستكشاف مستقبل «أميصوم» بعد تمديد عملها حتى نهاية آذار 2022، على أن تُسلّم الفرق تقريرها إلى «مجلس السلم والأمن» في الاتحاد الأفريقي في 11 شباط، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
أظهرت التطوّرات الأخيرة هشاشة وضع فرماجو داخلياً


تهديدات صعود الإرهاب
تثير الأوضاع في الصومال المخاوف الدولية من تجدُّد التهديدات الإرهابية وتمدّدها إلى دول الجوار. وتُقدِّر قيادة أفريقيا الأميركية عديد «جماعة الشباب» الصومالية بما بَين 5 و10 آلاف فرد ينشطون في أرجاء البلاد كافة، ويسيطرون على مساحات شاسعة في جنوب البلاد ووسطها. وتُنذر خُطط سحب بعثة الاتحاد الأفريقي من الصومال (التي تبلغ 22 ألف جندي) بمزيد من التدهور في الوضع الهشّ، ولا سيما أن الاتحاد عبّر عن مخاوفه إزاء قدرة الحكومة «على السيطرة بفاعلية على الأراضي المُحرَّرة من الشباب»، وافتقارها لـ«القدرة المطلوبة على تولّي المسؤولية فوراً لضمان الأمن القومي في الصومال بعد 31 ديسمبر 2021»، وحتى بعد أن صادق مجلس الأمن على تمديد عمل القوة لمدّة ثلاثة أشهر، تنتهي في 31 آذار 2022.
وفي مؤشّر إلى قدرة الجماعات الإرهابية على التمدّد إلى مناطق جديدة، أقدمت «الشباب»، في الساعات الأخيرة من العام الفائت، على مهاجمة قوات الأمن الحكومية في مدينة بلعد شمالي مقديشو، وسيطرت على المدينة لوقت قصير ثمّ غادرتها. كذلك، جدّدت الجماعة هجماتها (10 الجاري) على قوات شرطة كينية داخل الأراضي الكينية، في ظلّ توقّعات بتوسّع أنشطتها على خلفية اتفاق استئناف الانتخابات الصومالية. وهو ما ينطبق أيضاً على «أهل السنة والجماعة» التي تُصعّد ضغوطها على حكومة إقليم بونتلاند «لضمان وصول ممثّليها إلى الحكومة الفيدرالية». ومن هنا، يرى متابعون أن هذا الصراع سيتّخذ مساراً تصاعدياً في العام الجاري (2022)، باستغلال التوتر السياسي والفراغ الأمني.

سيناريو إقصاء فرماجو
أظهرت التطوّرات الأخيرة هشاشة وضع فرماجو داخلياً، ورجحان سيناريو إقصائه من المشهد السياسي، حتى في حال تَرشّحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستكون، والحال هذه، مجرّد مخرج لائق له. وممّا يؤشّر إلى ذلك مطالَبة عضو الكونغرس الأميركي، من أصل صومالي، إلهان عمر، للمرّة الأولى، بتنحّي فرماجو «للسماح للصومال بالتحرّك إلى الأمام بدلاً من تعطيل التجربة الانتخابية». واللافت، إلى جانب ما تَقدّم، بروز مؤشرات أميركية إلى إمكانية التخلّي عن التصوّر التقليدي لوحدة الصومال، لمصلحة ترقية العلاقات مع إقليم «جمهورية أرض الصومال» الذي يعلن استقلالاً أحادياً، في إطار المساعي الجارية لمواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد في القرن الأفريقي.