بدأت إسرائيل، قبل أيام، حملة سياسية وإعلامية لترميم صورة "اللااقتدار" التي ظهرت بها أخيراً، في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً أن إقرارها بأنها لا تملك خياراً عسكرياً مُجدِياً، يتسبّب لها بخسارة مضاعفة لا تقتصر على الملفّ النووي فحسب، فضلاً عن أنه ينزع من تل أبيب، وبالتبَعية من واشنطن، القدرة على التأثير في سلوك طهران التفاوضي، على اعتبار أن إثبات جدّية الخيار العسكري هو الوحيد القادر على دفْع إيران إلى التراجع، والارتداع عن خرق التزاماتها بموجب اتفاق عام 2015، والذي يجعلها أكثر قرباً من القنبلة النووية. لكن، كيف يمكن إقناع الإيرانيين بالفعل بأن لدى إسرائيل خياراً جاهزاً من هذا النوع، بعدما أقرّت هي نفسها بانتفائه، وإن بصورة غير مباشرة؟ معضلةٌ قد يتعذّر تجاوزها وإيجاد حلّ لها، وإن كان ذلك لا يلغي ضرورة أن تُقدِم تل أبيب، الرسمية في حدّ أدنى، على محاولة تغيير صورة "اللااقتدار"، التي باتت تضغط عليها، وتتسبّب في تهميش دورها وقدرتها على التأثير في المفاوضات الدائرة في فيينا. حتى الأمس القريب، كان الضغط الإسرائيلي، عبر ما تقول تل أبيب إنه خيار عسكري، يسير في اتجاهيَن متوازيَين: الأوّل نحو إيران، والثاني نحو أميركا. هدَف الضغط على الأولى إلى دفعها إلى الانكفاء نووياً، على خلفية خلْق خشية لديها من تلقّي ضربة عسكرية إسرائيلية، إن لم تُليّن مواقفها في المفاوضات، وكذلك إن لم تُفرمل اندفاعتها في برنامجها النووي. أمّا الاتجاه الثاني، فاستهدف غايتَين، رئيسة وفرعية، وهما: مساعدة المفاوِض الأميركي عبر تأمين ورقة ضغط ضدّ طهران؛ وفي الوقت نفسه حثّه على التصلّب لتحقيق كلّ ما تطلبه تل أبيب من نتائج، وفقاً لاستراتيجية "أمسكوني... وإلّا". لكن في خضمّ هذا، ساهمت إسرائيل نفسها في تظهير واقع "لااقتدارها"، وإن لم يكن عبر الصفّ الأوّل من مسؤوليها، ممّن يتولّون مناصب ومسؤوليات حالية، بل عبر تعليقات وسائل إعلامها، والمواقف والتصريحات الصادرة عن مسؤولين سابقين في المؤسّستَين السياسية والعسكرية فيها، ومنهم من ترك منصبه في الأمس القريب، إضافة إلى عدد من الأبحاث التي صدرت أخيراً عن مراكز بحثية في كيان العدو.
تعتقد تل أبيب أن إثبات جدّية الخيار العسكري هو الوحيد القادر على دفْع طهران إلى التراجع


 على هذه الخلفية، بات بالإمكان تفسير التسريبات المنقولة عن المسؤولين الإسرائيليين، وكذلك تقارير عدد من المراسلين العسكريين الذين يتلقّون توجيهات من مصادر كتاباتهم، أي المؤسّسة العسكرية، التي تحرص على الحدّ من تلك الصورة، إن لم يَعُد بالإمكان تغييرها بشكل كامل. وضمن "الحملة على الوعي" هذه، يأتي تصريح وزير الأمن، بني غانتس، الذي قال إنه "أوعز  إلى الجيش الإسرائيلي بأن يتجهّز لسيناريو توجيه ضربة عسكرية لإيران، على خلفية برنامجها النووي". وهو الموقف الذي تساوق مع تسريبات مصادر عسكرية إسرائيلية، أكدت توجيهات غانتس، ومنها ما ورد في صحيفة "هآرتس"، أوّل من أمس، على لسان مصدر أكد أنّ "الجيش الإسرائيلي تلقّى تعليمات بالاستعداد لخيار عسكري في إيران". ويبدو أن الجانب الأميركي في صورة، وربّما في صُلب قرار تغيير مشهد "اللااقتدار" الإسرائيلي، ما يفسّر مشاركة "مصادر أميركية مطّلعة" - كما يرد في الإعلام الأميركي -، بدورها، معلومات عن أن التحضيرات جارية لخيارات متطرّفة مشتركة ضدّ البرنامج النووي الإيراني، في حال فشل المسار الدبلوماسي التفاوضي. إذ إن بقاء الخيار العسكري الإسرائيلي قائماً في وعي الأطراف المعنيّة، يخدم المصلحة الأميركية أيضاً، ويمكن لواشنطن أن تراهن على تأثيره في العملية التفاوضية.
المفارقة في هذا السياق، وتحديداً في الإعلام العبري، هي التقلّب في مواقف المعلّقين، أو عددٍ منهم، وخصوصاً المراسلين العسكريين؛ إذ بين مقالة وأخرى، وبين يوم وتاليه، تتحوّل إسرائيل من جهة غير قادرة ولا مالكة للخيار العسكري، إلى جهة متوثّبة لاستخدامه. وهو ما يثير علامة استفهام كبيرة جدّاً، تتعلّق بتبَعية هؤلاء المراسلين، إلى الحدّ الذي يتحوّلون فيه، مع ديباجة توحي بالاستقلالية والمهنية، إلى ناطقين لدى مؤسّسة الجيش الإسرائيلي. لكن هل يكفي ذلك، إضافة إلى تصريحات ومواقف وتسريبات أخرى، كي تتغيّر صورة "اللااقتدار"، أو بعبارة أدق، واقع "اللااقتدار"؟ ثمّة شكوك كبيرة هنا. اللافت أيضاً، أن الجانب الأميركي، حتى الآن، لم يشارك في حملة التهويل، رسمياً، وترك لنفسه مسافة للإنكار، عبر حديثه المراد منه مساعدة الإسرائيلي في مهمّته، من دون أيّ التزام منه بتفعيل الخيار العسكري خاصّته هو، إن فشلت المفاوضات، علماً بأنه، من ناحية مادية وإن مع عدم الإمكان الفعلي، هو الجهة التي تملك الخيار العسكري بالفعل، الأمر الذي يستتبع قراءة وتفسير خاصَّين.



الخلاف الأميركي - الإسرائيلي متواصل
أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن هناك خلافاً مستمرّاً في وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في شأن كيفية التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني. وأشارت الصحيفة إلى أن أبرز محاور الخلاف، تتمثّل في اعتبار تل أبيب اتفاق 2015 "اتفاقاً هشّاً"، ستمنح إعادة إحيائه طهران القدرة على تطوير برنامجها النووي، بشكلٍ أسرع. وأضافت أنه في محاولة لسدّ هذه الفجوة، أعلن مسؤولون أميركيون، هذا الأسبوع، أنه قبل شهرين، طلب الرئيس جو بايدن من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مراجعة خطّة "البنتاغون" المعدّلة لاتّخاذ إجراء عسكري إذا انهار الجهد الدبلوماسي، إضافةً إلى تشديد العقوبات على إيران. لكن الصحيفة أشارت إلى أن القلق لا يزال ينتاب إسرائيل من إمكانية توصّل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران، ما قد يدفع واشنطن إلى أن تطلب من أجهزة الاستخبارات في تل أبيب عدم القيام بعمليات سرّية ضدّ طهران، مضيفة أن الدولة العبرية ترغب في أن تتعهّد الإدارة الأميركية بعدم منْعها من القيام بمثل هذه العمليات.
كذلك، أوضحت الصحيفة أن من بين المواضيع الأخرى التي ناقشها بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال زيارة الأخير مع عدّة مسؤولين كانوا برفقته إلى الولايات المتحدة، مسألة إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ووضع شركتَي التجسّس "NSO - Candiru" الإسرائيليتَين في اللائحة السوداء، فضلاً عن صوابية القرار الإسرائيلي ضرب المنشآت النووية الإيرانية. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن "حكومة بينيت تعتقد بأن الضربتَين اللتَين وُجّهتا إلى إيران، خلال العام الماضي، قد أضرّتا البرنامج النووي، بينما يرى أصحاب القرار في واشنطن أن هذه الضربات شجّعت إيران على تسريع تطوير برنامجها".
من جهة أخرى، لفتت الصحيفة إلى أن الأميركيين مرتاحون أكثر في التعامل مع حكومة بينيت من حكومة بنيامين نتنياهو، لأنّها أكثر شفافية ووضوحاً معهم، والدليل على ذلك أن الكيان الصهيوني قد تشاور مع الأميركي بشأن توجيه ضربتَين لإيران، واحدة تمّت في أيلول الماضي، والأخرى في شهر حزيران الفائت. وبيّنت الصحيفة أن أحد الهجومَين استهدف قاعدة صواريخ، فيما استهدف الآخر مصنعاً لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في مدينة كرج الإيرانية.
(الأخبار)