منذ أكثر من 8 آلاف عام، سكنَ الأسترونيزيون، المواطنون الأصليون الذين يشكّلون حالياً 1% من مجمل السكّان، جزيرة تايوان التي تقع شرق الصين وجنوب اليابان في المحيط الهادئ. وبحلول القرن السابع عشر، بدأت مجموعة «هان» الإثنية، الأكثر انتشاراً في الصين حالياً، بالتدفّق إلى الجزيرة من الجزء الجنوبي من البلاد. ومع سعي المستكشفين الأوروبيين آنذاك إلى إيجاد طرق تجارية تربطهم بشرق آسيا، اكتسبت الجزيرة، وفق ما تُرجّح الأسطورة، اسمها الأوّل من تاجر برتغالي، صاح أثناء اقترابه منها «فورموسا»، أي «الجزيرة الجميلة». وبحسب الموقع الرسمي للحكومة التايوانية، شهدت الجزيرة بعد ذلك محاولة احتلال من قِبَل الإمبراطوريتَين الإسبانية والهولندية، انتهت بنجاح الهولنديين في طرد الإسبان، وفرض سيطرتهم عليها في عام 1642. في وقت لاحق، انتقل الحُكم في الصين من سلالة مينغ إلى سلالة تشينغ، ليفرّ مناصرو الأوّل إلى تايوان، وينجحوا في طرد الهولنديين منها، ويضعوها تحت أيديهم. غير أنه، في عام 1683، عادت سلالة تشينغ واستولت على المناطق الساحلية الغربية والشمالية من الجزيرة، قبل أن يتمّ إعلان الأخيرة في عام 1685 محافظة من «إمبراطورية تشينغ العظيمة»، التي ستَحكم تايوان لنحو عقدَين من الزمن. في عام 1895، خسرت سلالة تشينغ الحرب الصينية - اليابانية الأولى، وتنازلت عن الجزيرة لليابان، بموجب «معاهدة شيمونوسيكي». نجحت اليابان، أثناء حُكمها «الحديدي» لتايوان، في إرساء النظام، والقضاء على الأمراض، وتشييد البنى التحتية والسكك الحديدية، وتنمية الاقتصاد. وبينما لم يكن محسوماً ما إذا أرادت جعل الجزيرة جزءاً منها، فقد أجبرت المواطنين هناك على تعلّم اللغة اليابانية، وفرضت الثقافة اليابانية عليهم، الأمر الذي أتاح لهم الوصول إلى العلوم والتكنولوجيا، إنّما على حساب هُويّتهم الصينية ولغتهم. وعندما هزم الحلفاء اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت «جمهورية الصين» قد أصبحت تحت حُكم الرئيس شيانغ كاي شيك. وقبل أشهر قليلة من انتهاء الحرب، اتفقت الولايات المتحدة وبريطانيا مع شيانغ، وفق ما يَذكر موقع «بريتانيكا»، على أن تايوان هي جزيرة تابعة للصين، ويجب بالتالي إعادتها إليه. وهو ما تمّ التصديق عليه خلال «مؤتمر بوتسدام»، الذي عُقد من 17 تموز إلى 2 آب من عام 1945. وفي نهاية المطاف، سهّلت القوات الأميركية، التي كانت متواجدةً في الجزيرة، تسليم الحُكم لشيانغ، لتُصبح تايوان، في تشرين الأول 1945، جزءاً من «جمهورية الصين»، ويتولّى السلطة فيها أحد أعضاء حزب «الكومنتانغ» الحاكم في الصين، والذي يستبطن نظرة فوقية تجاه التايوانيين، دفعته إلى التضييق عليهم ثقافياً (محاولة فرْض لغة «الماندرين» عليهم)، واستبعادهم من الوظائف الحكومية، في وقت كانت فيه الأوضاع الاقتصادية تزداد تدهوراً، والحرب الأهلية ما بين «الكومنتانغ» و«الحزب الشيوعي الصيني» تُغرق «جمهورية الصين».

مفصل الحرب الأهلية
لعلّ تلك الحرب الأهلية تُمثّل الحدث المفصلي الذي حَكم على العلاقة بين الصين والجزيرة بالتوتّر شبه الدائم. عمل «الحزب الشيوعي الصيني»، لدى تأسيسه، ضمن جبهة واحدة مع «الكومنتانغ»، من أجل محاربة أمراء الحرب، وإنشاء حكومة مركزية قوية. غير أن التحالف بين الحزبَين لم يَدُم طويلاً؛ بعدما انقلب الأخير على الأوّل، وبدأ توظيف طاقاته وموارده لمواجهة خصمه، الذي كان يكتسب شعبية متزايدة في الأرياف، ولا سيما بسبب تضحياته في الحرب ضدّ اليابانيين، ونجاحه في استصلاح الأراضي. وعلى الرغم من أن مسؤولين أميركيين أَبلغوا عن ممارسات قمعية من قِبَل «الكومنتانغ» تجاه المعارضين، غير أن دعم الولايات المتحدة لهذا الحزب بقي مستمرّاً، بالنظر إلى أنه مثّل الخيار الوحيد المتاح أمامها لمواجهة سيطرة الشيوعيين على البلاد.
يؤيّد «الكومنتانغ»، اليوم، علاقات أفضل مع الصين، على عكس «الحزب الديموقراطي التقدّمي»


إلّا أن ذلك الدعم الأميركي لم يَحُل دون خسارة حليفهم، لأسباب كثيرة على رأسها أن «الشيوعيين»، ومع أنهم لم يستولوا على أيّ مدن رئيسة بعد الحرب العالمية الثانية، كانوا يتمتّعون بتنظيم عسكري متفوّق ومعنويات عالية، إضافة إلى مخزونات كبيرة من الأسلحة، استولوا عليها من اليابانيين في منشوريا، في حين أدّت سنوات من الفساد وسوء الإدارة إلى تآكل الدعم الشعبي لحكومة «الكومنتانغ» القومية. وفي أوائل عام 1947، كانت هذه الأخيرة قد بدأت تتطلّع فعلياً إلى جزيرة تايوان، كنقطة انسحاب محتملة. وبالفعل، بعد خسارته أمام ماو تسي تونغ، انسحب تشانغ إلى الجزيرة، وفرض «الحُكم العرفي» عليها لـ«مكافحة مظاهر الشيوعية»، والذي استمرّ 38 عاماً. وعلى غرار بعض الفترات السابقة، تلقّت تايوان، في الخمسينيات والستينيات، كميات هائلة من المساعدات من الولايات المتحدة. وما بين عامَي 1952 و1961، نما اقتصادها بمعدّل 9% كلّ عام، وتحوّل من الزراعة إلى الصناعة، بما فيها الإلكترونيات. وتمثّل الغرض، من وراء الاستثمارات الأميركية الضخمة في تايوان، مرّة جديدة، في تحويلها إلى «حصن»، مع بلدان أخرى في المنطقة، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، في وجه «الصين الشيوعية».

تصارع إرادات
في عام 1987، تمّ رفع «الحُكم العرفي» عن تايوان. وفي السنة التالية، سمح حزب «الكومنتانغ» بتشكيل أحزاب معارضة. وللمفارقة، يؤيّد «الكومنتانغ»، اليوم، علاقات أفضل مع الصين، على عكس «الحزب الديموقراطي التقدّمي»، الذي تتولّى رئيسته، تساي إنغ ون، رئاسة تايوان منذ عام 2016، والذي يدعو إلى استقلال الجزيرة، بالاتّكاء على الدعم الأميركي. دعمٌ يتمثّل بعضُ وجوهه في انتشار القوات الأميركية في تايوان لغرض «التدريب»، وفق ما أعلنت إنغ ون، في مقابلة مع شبكة «سي.إن.إن» في تشرين الأوّل الماضي، معتبرةً أن «واشنطن ستدافع عن الجزيرة، في حال شنّت الصين هجوماً عسكرياً عليها». في المقابل، لا تستبعد بكين احتمال استخدام القوّة، التي عمدت إلى استعراضها قبل أسابيع، بتنفيذ توغّل قياسي للطائرات الحربية الصينية في منطقة الدفاع الجوّي التايوانية. كما لا يفوّت الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، فرصة للتأكيد أن «إعادة التوحّد مع تايوان يجب أن تتحقّق، وستتحقّق». وأخيراً، كشفت المتحدّثة باسم مكتب شؤون تايوان في الحكومة الصينية، تشو فنغ ليان، أن بلادها ستمنع دخول «مؤيّدي استقلال تايوان» إلى كلّ الأراضي الصينية، بما فيها هونغ كونغ وماكاو، معلِنةً أنه «سيتمّ وضع قائمة بأسمائهم، وسيحرَّم عليهم التعاون مع المنظّمات والأفراد في الصين، وكذلك جنْي الربح فيها».