لم يكد الرئيس الأميركي، جو بايدن، ينهي خطابه، أوّل من أمس، حتّى انهالت ردود الفعل عليه في الداخل الأميركي، حيث اعتُبر منطوياً على شيء من التحدّي، عبر دفاعه عن قرار الانسحاب من أفغانستان، على رغم إقراره الواضح بالهزيمة. بايدن ألقى باللوم في الانهيار السريع للحكومة الأفغانية ومشاهد الفوضى في مطار كابول، على رفض جيش البلاد الوقوف والقتال في وجه تقدُّم حركة «طالبان». وفي خطابه إلى الشعب الأميركي، بعد عودته لفترة وجيزة إلى البيت الأبيض من كامب دايفيد، قال إنه لا يشعر بأيّ ندم إزاء قراره إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. لكنّه أعرب عن أسفه لفشل عقدين من الدعم في تحويل الجيش الأفغاني إلى قوّة قادرة على تأمين هذا البلد. تصريحات بايدن تردّدت على لسان أكثر من مسؤول غربي من الذين شاركوا الولايات المتحدة «مهمّتها»، طوال فترة العشرين عاماً الماضية. إذ انتقد الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، «فشل السلطات الأفغانية» في التصدّي لـ«طالبان» ومنْعها من السيطرة على العاصمة كابول، مدافعاً عمّا قامت به قوات الحلف في أفغانستان. وقال، في مؤتمر صحافي، إن قوات «الناتو» «قاتلت بشجاعة»، لكنّها فوجئت بـ«الانهيار السياسي والعسكري في الأسابيع الأخيرة، وبسرعة لم يتمّ توقّعها».وردّاً على هذا الرأي، ربطاً بتصريحات بايدن خصوصاً، كتب مارك ثيسون في صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً أشار فيه إلى أنه بدلاً من الاعتراف بارتكاب أيّ مخالفات، «ألقى الرئيس باللوم على الجميع ما عدا نفسه». وفيما لفت الكاتب إلى إلقاء بايدن باللوم على الاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع حركة «طالبان»، أضاف أن الرئيس الحالي قضى الأشهر السبعة الماضية في عكس كلّ سياسة سلفه تقريباً، متسائلاً: «يداه كانتا مقيّدتين في أفغانستان؟ هل هذا هو المكان الوحيد حيث لم يكن لديه أيّ خيار سوى تنفيذ سياسة ترامب؟». كذلك، تطرق ثيسون إلى اللوم الذي ألقاه الرئيس الأميركي على الجيش الأفغاني، معتبراً أن «هذا افتراء». وفي السياق، ذكّر بأنه «في كانون الثاني 2015، تولّت القوات الأفغانية المسؤولية كاملة عن العمليات القتالية ضدّ طالبان»، مضيفاً أنه «منذ ذلك الوقت، أفادت وزارة الخارجية بأن عدد القتلى في المعارك الأميركية في أفغانستان انخفض بشكل حادّ إلى متوسّط ​​حوالى 17 في السنة، بينما قُتل، خلال الفترة ذاتها، ما بين 53000 و57000 جندي أفغاني في القتال ضدّ طالبان - بما في ذلك حوالى 2600 في آب الجاري».
تؤيّد موسكو إطلاق «حوار وطني» في أفغانستان بمشاركة جميع القوى السياسية والإتنية والطائفية


من جهتها، بدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أقلّ حدّة لجهة تحميل المسؤولية لقوات الأمن الأفغانية، واعتمدت مقاربة مختلفة، إذ اعتبرت أن «نجاح» التدخّل الغربي في أفغانستان لم يكن على قدر الآمال المعقودة. وقالت، في مؤتمر صحافي في برلين: «من المسلّم به أنّ القاعدة لم تعد قادرة على شنّ هجمات ضدّ الولايات المتحدة انطلاقاً من أفغانستان كتلك التي شنّتها في 11 أيلول 2001»، لكنّها شدّدت على أن «كلّ الأمور الأخرى التي تلت، لم تتكلّل بالقدر نفسه من النجاح، ولم تتحقّق وفق ما خطّطنا له». ولم تتوقّع المستشارة الألمانية أن ينجح هجوم الحركة بهذه السرعة، إذ قالت: «لقد أسأنا تقدير» تقدُّم قوات «طالبان». وأضافت: «يجب أن نحدّد أهدافاً أكثر تواضعاً في هذا النوع من المهمّات». وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تُوجّه فيه حركة «طالبان» رسائل عدّة إلى «الأسرة الدولية»، للطمأنة إلى أن الشعب الأفغاني يجب ألّا يخشى شيئاً منها. وفي هذا المجال، أعلنت الحركة، أمس، «عفواً عاماً» عن كلّ موظّفي الدولة، داعيةً إياهم إلى معاودة العمل. وأوضحت، في بيان، أنه «صدر عفو عام عن الجميع، لذا يمكنكم معاودة حياتكم الطبيعية بثقة تامة». بالتوازي مع ذلك، استؤنفت رحلات الإجلاء من مطار كابول، أمس، بعد الفوضى التي شهدها المطار، أوّل من أمس، مع تدفّق أعداد ضخمة احتشدت على مدرجه. أيضاً، أعيد فتح بعض المحلّات التجارية مع عودة شرطة المرور إلى الشوارع، فيما يستعدّ مسؤولو «طالبان» لعقد أول اجتماع دبلوماسي مع سفير موسكو. وفي السياق، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده تؤيّد إطلاق «حوار وطني» في أفغانستان، «بمشاركة جميع القوى السياسية والإتنية والطائفية»، في أعقاب سيطرة «طالبان» على كابول، معتبراً أن تطمينات الحركة في شأن احترام حرية التعبير عن الرأي في أفغانستان «إيجابية».