مقالات مرتبطة
لا يمكن النظر، إسرائيلياً، إلى الانسحاب الأميركي من زاوية كونه منفرداً واستثنائياً
بالطبع، ثمّة مبالغة آنية في المقاربة الإسرائيلية، وشيء من «وضع اليد على الخد»، والذي اعتاده الإعلام العبري في مثل هكذا حالات. إذ لا يشكّل الانسحاب في ذاته تحوّلاً كفيلاً بتوليد أضرار استراتيجية يتعذّر احتواؤها، لكنّ الخشية الفعلية لدى صانع القرار في تل أبيب هي ممّا سيليه، على مستويات عدّة. المُسلَّم به في إسرائيل هو أن مكانة الولايات المتحدة في وعي أعدائها تمثّل جزءاً لا يتجزّأ من القدرة الإسرائيلية نفسها، بما يشمل مستوى ردع الكيان، ومنعة أمنه، وربّما استمرار وجوده؛ وأيّ تراجُع في هذه المكانة لدى أعداء «الحليفَين» لا ينعكس سلباً على الولايات المتحدة فقط، إنما أيضاً على أمن إسرائيل ومستقبلها. كذلك، لا يمكن النظر، إسرائيلياً، إلى الانسحاب الأميركي من زاوية كونه منفرداً واستثنائياً، بل بوصفه محطّة في مسار بات من الصعب إيقافه، ويُقدّر أن يمتدّ لاحقاً إلى دول وساحات أخرى، من بينها العراق وسوريا، تدرك تل أبيب أن أيّ تراجع أميركي فيها سيولّد تهديدات لا يمكن حصر أضرارها. بمعنى آخر، تخشى إسرائيل من أن يُسرّع الخروج من أفغانستان وتيرة الانسحابات في سوريا والعراق، حيث يتركّز جلّ اهتمامها. وهو إن حصل، سيعني تحوُّلاً استراتيجياً تاريخياً، من شأنه أن يترك آثاره السلبية على مستقبل وجود الكيان.
«مشاهد الانسحاب مرعبة ومخيفة لكلّ حلفاء أميركا في الشرق الأوسط والعالم، وخصوصاً لإسرائيل. تعالوا نعتَدْ على حقبة، سنكون فيها وحدنا مع إيران، من دون إسناد استراتيجي يرتكز على وجود أميركي مباشر يساند موقفنا ومصالحنا». هذا ما وصفت به صحيفة «معاريف» الانسحاب الأميركي، الذي ركّزت صحيفة «هآرتس»، من جهتها، في مقاربة لا تقلّ دلالة، على ظروفه وحيثياته، التي لا ترتبط بقرار أحادي شاذّ، بل بإدراك جمعي أميركي لحدود القدرة على صوغ الواقع من خلال القوة العسكرية». ومن هنا، اعتبرت الصحيفة أن «التأثير الحقيقي على حلفاء أميركا، وخاصة إسرائيل والأنظمة العربية الموالية للغرب، هو أن أميركا الآن، وفي المستقبل المنظور، لديها إدراك متزايد لحدود قدرتها».