طهران | أسبوعان يفصلان عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تحوّل خلالهما الاقتصاد إلى الموضوع الرئيسيّ في تصريحات المرشّحين وشعاراتهم ووعودهم، في حين أصبحت القضايا المتعلّقة بالسياسية الخارجية على الهامش، على النقيض من الانتخابات السابقة. خلال الدورتَين السابقتَين، شكّلت السياسة الخارجية الموضوع الأساسي والطاغي على غيره من المواضيع، حتى إنها كانت أهمّ قضية خيضت على أساسها الانتخابات. وفي عام 2013، خاض حسن روحاني الرئاسيات تحت شعار «التعامل البنّاء» و»عجلة أجهزة الطرد المركزي يجب أن تدور، وعجلة الاقتصاد يجب أن تدور أيضاً»، كما قدّم وعداً برفع العقوبات، ليُنتخب بعد ذلك رئيساً للجهورية. أمّا في الرئاسيات التي جرت بعدها بأربع سنوات، في ظلّ التوقيع على الاتفاق النووي، فقد روّج روحاني لإنجازه الضخم (أي الاتفاق)، محوّلاً إياه إلى الموضوع الرئيسيّ للانتخابات، ليُنتخب رئيساً لولاية ثانية، وبأصوات أكثر. الانتخابات الحالية تجرى في ظروف أعيد خلالها فرض العقوبات على إيران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفي وقت تشهد فيه فيينا محادثات لإعادة إحياء الاتفاق. إلّا أن ذلك لم يمنع من طغيان القضايا الاقتصادية والمعيشية على تصريحات المرشّحين ووعودهم الانتخابية. فهؤلاء يسعون، من خلال إطلاق الوعود المختلفة، إلى إظهار أنفسهم على أنهم المنقذ من الوضع الاقتصادي المتأزّم، ولا سيّما أن معدّل نموّ الاقتصاد بلغ حوالى صفر في المئة، على مدى العقد الأخير، وزاد الناس فقراً بفعل التضخّم البالغ خمسين في المئة. ومن هذا المنطلق، شكّلت القضايا الاقتصادية المحور الرئيسيّ لأولى المناظرات التلفزيونية بين المرشَّحين السبعة، والتي أُجريت أوّل من أمس، حيث أُطلقت وعود كثيرة؛ من بينها بناء مليون وحدة سكنية سنوياً، وزيادة مبلغ الدعم المالي الحكومي للشعب بنسبة خمسة إلى عشرة أمثال، وتحويل العملة الوطنية الإيرانية إلى أقوى عملة وطنية في المنطقة، ودفع قروضٍ للّذين ينوون الزواج، ودفع مرتّبات شهرية لربّات البيوت، وخفض نسبة التضخّم، وإنعاش الإنتاج. وبالتالي، بدت المناظرة كأنها أُجريت فقط لإطلاق الوعود الاقتصادية الطموحة، التي يشكّ العديد من المراقبين في إمكانية تطبيقها، وذلك نظراً إلى مصادر العملة الأجنبية المتدنّية في إيران، وارتباك التبادل المالي والتجاري مع الخارج، إضافة إلى الكثير من المشاكل البنيوية الأخرى.
يشكّك العديد من المراقبين في إمكانية تطبيق الوعود الاقتصادية


ويجري التنافس الانتخابي بينما تواجه البلاد قضايا عديدة في مجال سياستها الخارجية؛ بدءاً من المحادثات لإحياء «خطّة العمل المشترك الشاملة»، ومستقبل العقوبات الأميركية والعلاقات مع واشنطن، وصولاً إلى الصراع الأمني مع إسرائيل، وتطوّرات العراق واليمن وسوريا ولبنان. ومع ذلك، قلّما يتمّ الحديث عن هذه المواضيع في المنافسات الانتخابية. وقد يعود أحد أسباب تراجعها ضمن مواقف المرشّحين إلى تصاعد دور المؤسّسات الأخرى، بما فيها ضمن السياسة الخارجية. وفي هذا الإطار، يقول الصحافي إحسان أبطحي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «السياسة الخارجية في إيران، وتأسيساً على الدستور، هي جزء من صلاحيات المرشد الأعلى، ويتمّ رسم ملامحها في المجلس الأعلى للأمن القومي، ومن ثمّ تحظى بتأييد المرشد الأعلى، لتقوم وزارة الخارجية بتنفيذها فحسب». ويضيف إنه «لهذا السبب، لا يمكن أن تتحوّل السياسة الخارجية إلى موضوع نقاش بشكل كبير». ويلفت أبطحي إلى أن «أهمية السياسة الخارجية تضاءلت لدى الشعب»، مضيفاً إن «القضية الرئيسيّة للناس باتت تتمثّل في المشاكل الاقتصادية». وعليه، و»بالرغم من أن العقوبات أثّرت على الوضع الاقتصادي، إلّا أن المرشح الذي يمكنه أن يلفت اهتمام الجماهير، هو ذاك الذي يركّز في شعاراته على القضايا الاقتصادية»، بحسب أبطحي.
وعلى العكس منه، يبني الباحث والمحلّل في مجال الحملات الانتخابية، رحمان قهرمانبور، على استطلاعات الرأي، ليقول إن «موضوع السياسة الخارجية ورفْع العقوبات باتا يمثّلان أحد الهواجس الجادّة للناخبين». إلّا أن قهرمانبور يشير، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «ثمّة ثلاثة أسباب أدّت إلى ألّا تتحوّل السياسة الخارجية إلى محلّ نقاش في المنافسات الانتخابية»، موضحاً أن «السبب الأول هو أن وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، الذي كان يحظى بنوعٍ من الأفضلية والتفوّق الاستراتيجي في مجال السياسة الخارجية، لا يخوض الرئاسيات». والسبب الثاني يعود إلى أن «النظام السياسي قرّر ألّا يتحوّل موضوع السياسة الخارجية إلى محلّ نزاع وعراك في هذه الانتخابات»، مبيّناً أن «البعض يذهب، في هذا المجال، إلى أن ذلك مردّه أن لا تخضع محادثات فيينا لأثر التنافس الانتخابي، وأن تثق الأطراف الخارجية بأن ثمّة إجماعاً واتفاقاً داخل إيران على إحياء الاتفاق»، في حين «يرى البعض الآخر أن الأصوليين لا يملكون اليد العليا في مجال السياسة الخارجية»، وفق قهرمانبور، الذي يخلص إلى أنه «من أجل أن يحقّقوا وضعاً أفضل في الانتخابات، سُحب موضوع السياسة الخارجية من دائرة الصراع». وبحسبه، فإن السبب الثالث وراء بقاء السياسة الخارجية على الهامش، «يعود إلى الأجواء العامّة للانتخابات، التي لم تشهد سخونة بالقدر المتوقّع منها، كما لم تصل المواضيع الانتخابية إلى صميم المجتمع».
في هذه الأثناء، تفيد أحدث استطلاعات الرأي، التي أجراها «مركز استطلاعات رأي الطلبة في إيران» (إيسبا) ــــ الذي يعدّ الأشهر ــــ بأن عدد الذين يقولون إنهم سيدلون بأصواتهم في الانتخابات يصل إلى نحو 37 في المئة من أصل الناخبين الذين تتوفّر لديهم شروط التصويت. أمّا الباقون، فإمّا لا يرغبون في المشاركة، أو لم يقرّروا بعد ما إذا كانوا سيشاركون أو لا. ويحصل ذلك بينما شارك في الرئاسيات السابقة ما يزيد على 73 في المئة ممّن توفّرت لديهم الشروط للازمة للتصويت.