مقالات مرتبطة
بحرية قُتلت فى مهدها
يعود أول وجود حقيقي إثيوبي على سواحل البحر الأحمر إلى العام 1950، حين اعترفت الأمم المتحدة بسيطرة أديس أبابا على إريتريا. وفي العام 1955، أُسِّست البحرية الإثيوبية التي تمركزت في "قاعدة هيلا سيلاسي" البحرية في ميناء مصوع الإريتري. وحتى مطلع الستينيات، كان العديد من المصانع والورش ومراكز التدريب البحرية قد أُقيم في الميناء، مانحاً البلاد قدرات بحرية شبه كاملة للمرّة الأولى في تاريخها.
استعان هيلا سيلاسي، أولاً، بضباط البحرية الملكية النرويجية للمساعدة في تنظيم القوات البحرية الإثيوبية، وتولِّي مهام التدريب، إلى جانب الضباط البريطانيين المتقاعدين. طرح الإمبراطور مشروعاً طموحاً بالتوازي مع التدريب، حيث قام بإرسال بعض ضباط البحرية الإثيوبية لتلقّي التعليم البحري في الأكاديمية البحرية الإيطالية في ليفورنو، والأكاديمية البحرية الأميركية في أنابوليس في ولاية ميريلاند الأميركية. وقد كان حينها قوام سلاح البحرية الإثيوبي قد بلغ قرابة 11500 فرد.
تطوّرت البحرية الإثيوبية ببطء، معتمدة على دعم أصدقائها، لكن مع إطاحة الجيش الإمبراطور سيلاسي، والدخول في حرب أوغادين مع الصومال، بدأ تهميش دور القوات البحرية. حتى شباط 1990، كانت "الجبهة الوطنية لتحرير إريتريا" قد نجحت في السيطرة على ميناء مصوع، قبل أن تُسيطر في وقت لاحق على ميناء عصب، ما أدى إلى عزل الجيش الإثيوبي وفرض استقلال إريتريا بحكم الواقع العام 1991، لتعود إثيوبيا مجدّداً من دون سواحل.
حاولت إثيوبيا جاهدة الحفاظ على سلاح البحرية الخاص بها قيد العمل، بعدما نقلت معظم القطع إلى موانئ اليمن. ثمّ بعد طرد صنعاء للسفن الإثيوبية في العام 1993، اضطرت أديس أبابا إلى التخلُّص من بعض سفنها ونقل بعضها الآخر إلى جيبوتي. وبحلول العام 1996، كانت جيبوتي ضاقت ذرعاً من استضافة السفن الإثيوبية في موانئها، بسبب عدم سداد أديس أبابا لمستحقّات الموانئ، الأمر الذي دفع جيبوتي إلى الاستيلاء على السفن الإثيوبية وطرحها للبيع في مزاد علني، لتُعلن أديس أبابا حلّ سلاح قيادة البحرية الخاصة بها.
أرض الصومال أم جيبوتي؟
تعزّزت شراكة الإمارات وإثيوبيا بعد الموقف المائل نحو أديس أبابا (لا القاهرة) الذي اتخذته أبو ظبي في أزمة سدّ النهضة. ولم يتوقّف دور الإمارات في إثيوبيا عند تمويل السدّ، بل امتدّ عبر شركة «موانئ دبي العالمية»، لتصبح الأخيرة بوابة إثيوبيا إلى البحر. دفع طموح الدولة النفطية، صاحبة المحفظة الاستثمارية الضخمة، إلى الاستحواذ على الموانئ، إلى ضخّ استثمارات ضخمة في عدّة دول، حتى باتت «موانئ دبي» تنشط في 78 محطّة في 40 دولة عبر ستّ قارات، من بينها ميناء بربرة.
في أيار 2016، وقَّعت شركة "موانئ دبي العالمية" اتفاقية لتشغيل وتطوير ميناء بربرة في أرض الصومال لمدّة 30 عاماً. ثمّ في آذار 2018 ، ضمنت إثيوبيا وجودها في الميناء من خلال صفقة خاصة مع "موانئ دبي"، مُنِحت بموجبها الأولى حصة بلغت 19% في الميناء، لتبدأ أديس أبابا استثمار 80 مليون دولار في طريق بطول 500 ميل يربط بين الميناء ومدينة توجوشال الحدودية. وفي أيار 2018، حصلت إثيوبيا على حصة من الأراضي في جزيرة لامو الكينية بوصفها جزءاً من مشروع "لامو بورت" (ميناء لامو)، جنوب السودان – إثيوبيا للنقل، المعروف اختصاراً باسم «لابسيت»؛ وهو مشروع نقل وبنية تحتية بتكلفة 24 مليار دولار وُقِّعَ في عام 2012، ولكن تأجَّل بسبب التأخير في التمويل ومشكلات الأمن في كلا البلدين. لكن بعد ذلك، أتى السلام مع إريتريا ليعود حلم أديس أبابا بوصولها الكامل إلى البحر، وامتلاك قوات بحرية. وفي آذار 2019، وخلال زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أديس أبابا، وقَّعت فرنسا وإثيوبيا اتفاقية تعاون دفاعي تعهَّدت خلالها باريس بتطوير سلاح البحرية الإثيوبي المُنتظَر، وتدريب البحارين الإثيوبيين في فرنسا. ثمّ في كانون الأول 2019، كشفت صحيفة "كابيتال" الإثيوبية عن اتفاق مبدئي لإنشاء قاعدة بحرية إثيوبية في دولة جيبوتي المجاورة.
تعزّزت شراكة الإمارات وإثيوبيا بعد موقف أبو ظبي المائل إلى أديس أبابا في أزمة سدّ النهضة
قد تبدو مساحة الاختيارات أمام إثيوبيا كبيرة، خصوصاً في ظلّ وجود قوى إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها معها، مثل الإمارات والسعودية والصين،
إلا أن الوضع أكثر تعقيداً ممّا يظهر. فحتى لحظة إعلان أديس بابا عن المقرّ المحدّد للقوات البحرية الجديدة، تظلّ التكهنات هي المسيطرة على المشهد، على رغم وجود وجهتين متاحتين أمام إثيوبيا لاستضافة قواتها. ويبقى ميناء بربرة هو الأرجح، نظراً إلى قربه إلى الحدود، ووجود طريق قائم بالفعل يربط أديس أبابا بالميناء، إضافة إلى امتلاكها جزءاً من حصصه، إلى جانب حليفها الإماراتي. لكن خيار إنشاء إثيوبيا قاعدة بحرية في جارتها جيبوتي يبقى وارداً، على رغم الصعوبات التقنية والتمويلية؛ فإضافة إلى التكلفة الباهظة التي ستتحمّلها إثيوبيا، هنالك صعوبات يفرضها وجود قواعد عسكرية لبعض حلفاء مصر، مثل فرنسا وإيطاليا، وأميركا بقدر أقلّ.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا