أشعلت حادثة اقتحام مقرّ الكونغرس الأميركي، في السادس من كانون الثاني/ يناير الماضي، جدلاً واسعاً في الأوساط الأميركية المختلِفة، وخصوصاً مع بدء تَكشُّف هويّات المشاركين في «غزوة الكابيتول»، والذين بيَّنت التحقيقات انتماء عدد غير قليل منهم إلى المؤسّسة العسكرية، إذ سلّط التحقيق الذي تولّاه «مكتب التحقيقات الفدرالي»، «إف بي آي»، الضوء على تورُّط عددٍ من قدامى المحاربين وبعض أفراد القوات المسلّحة في عملية الاقتحام. كما أظهر أن نحو 14% من الذين اعتقلوا واتّهموا لاحقاً بالمشاركة في العملية لديهم خلفية عسكرية حقيقية (ما لا يقلّ عن 22 من أفراد الخدمة الحاليين أو السابقين الذين يشكّلون بالمجمل حوالى 7% من سكّان الولايات المتحدة). كذلك، بيّنت المقاطع المصوّرة المتداولة للحادثة أن الأوامر التي نطق بها المشاركون (تغطية، حاصرهم، استطلاع...) جرى استخلاصها مباشرة من عقيدة المناورة العسكرية التكتيكية الصغيرة لدى الجيش ومشاة البحرية في القوات المسلّحة الأميركية.تعليقاً على ما سبق، تحدَّث الأدميرال المتقاعد في البحرية الأميركية، جيمس ستافريديس (شغل في السابق منصب قائد القيادة العليا لـ»حلف شمالي الأطلسي»)، في مقالةٍ له في مجلّة «تايم»، عن أن الحادثة لم تفاجئه، قائلاً: «بعد الواقعة، للأسف لم أشعر بالصدمة. على مدار العقد الماضي، ونظراً إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي منَحتنا رؤية عميقة في حياة بعضنا البعض، رأيتُ غالباً منشورات على فايسبوك وتغريدات وتعليقات عامّة من أفراد سابقين وحاليين في القوات المسلّحة، كانت تنذر بكلّ هذا». لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق، بحسب ستافريديس، هو «الأعداد الموثَّقة لعناصر الخدمة الفعلية والمحاربين القدامى الذين تَبيّن أنهم أعضاء وقادة في منظّمات تؤمِن بتَفوُّق العرق الأبيض». والجدير ذكره، هنا، أن ظاهرة التطرُّف اليميني بدأت بالتصاعُد في أوساط الجيش منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو ما نتجت منه أسوأ حادثة إرهاب داخلي، تمثَّلت في تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995، الذي راح ضحيّته أكثر من 165 شخصاً، والمتورّط فيه الجندي السابق تيموثي ماكفي، المنتمي إلى جماعة يمينية متطرّفة من ميشيغن.
بدأت ظاهرة التطرُّف اليميني بالتصاعد في أوساط الجيش منذ تسعينيات القرن الماضي


وفي استطلاع للرأي أجرته «ميليتري تايمز» أخيراً، تَبيّن أن ما يقرب من 35% من الأفراد في الخدمة الفعلية، قد لاحظوا أثناء خدمتهم علامات العنصرية أو التفوّق العرقي. ولكن الجيش الأميركي لا يستطيع تحديد عدد الجنود الذين طردوا على خلفية التطرّف في السنوات الأخيرة، ولا سيّما أن عمليات التسريح تُسجَّل تحت عنوان «سوء السلوك». وبعد اقتحام الـ»كابيتول»، قال الناطق باسم الجيش الأميركي، غابرييل راميريز، إنه «في الوقت الحالي، لا يتمّ تحديد السلوك المتطرّف من خلال قانون منفصل للتسريح... وبينما ننتظر مزيداً من إرشادات وزارة الدفاع في شأن التطرّف، فإننا نجري عمليات لاستكشاف خيارات حول سبل زيادة مكافحة هذه المشكلة». وفي هذا الإطار، كشف موقع «بوليتيكو» عن مذكّرة داخلية حول التطرّف في الجيش الأميركي والأجهزة الأمنية، خلصت إلى أن عدداً كبيراً من الإشارات، كالأعلام التي ترفعها حركة «أنتيفا» و»الضفدع بيبي» والرسومات الأيقونية لجماعة «براود بويز» اليمينية، كلّها تَدلّ على أن «المتطرّفين قد يكونون في حالة تغلغُل داخل الجيش». وأشارت المذكّرة إلى أن «هناك أعضاء من وزارة الدفاع ينتمون إلى مجموعات متطرّفة، أو يشاركون في جهود لتدعيم الأيديولوجيات المتطرفة»، مُحذّرةً من «شعارات اليمين واليسار المتطرّفَين، والإسلاميين، أو أيديولوجيات القضية الواحدة». ونبهت إلى أن «العناصر المدنيين أو العسكريين في قطاع الدفاع، عليهم واجب ومسؤولية الإبلاغ عن أيّ نشاط أو تصرّف متطرّف». وعن الحلول وسبل «تطهير» الجيش من المتطرّفين، أعلن وزير الدفاع، لويد أوستن، في شباط/ فبراير الماضي، عن خطط لدى الجيش تمتدّ على 60 يوماً، لمعالجة قضيّة التطرُّف في صفوف القوات المسلّحة، ملمِّحاً إلى وجود «خطط لجمع بيانات عن التطرّف»، من دون أن يَذكر بالتفصيل ما الذي سيترتّب على ذلك. وتوقَّع أن «تكون الأعداد صغيرة. لكن، بصراحة تامّة، من المحتمل أن تكون أكبر قليلاً ممّا قد يتوقّعه معظمنا... أودّ أن أقول فقط إن الأعداد الصغيرة في هذه الحالة يمكن أن يكون لها تأثير كبير». وبحسب جيمس ستافريديس، فإن «خطّ الدفاع الأول، هو الرسالة من الأعلى»، أي أنه «يجب على كبار قادتنا في الزيّ العسكري أن يساعدوا في حلّ هذه المشكلة... في خطاباتهم واتصالاتهم المكتوبة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. عليهم أن يعترفوا بالمشاكل وأن يشجّعوا القوّات على الوقوف معاً للقضاء على هذا الأمر». ورأى أن لمكاتب التجنيد دوراً أساسياً في مكافحة انخراط المتطرّفين في الجيش، موضحاً أنه «في هذا العالم المتّصل بشكل كبير، يمكن العسكريّين الوصول إلى مجموعة واسعة من أدوات الفحص لتمييز خلفية جميع المتقدِّمين للتجنيد. لكن استخدام وظائف البحث العادية ليس سوى البداية. إذ يُعدُّ طلب الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمجنَّدين، أداة جيّدة».
وفي موقع «ديفينس وان»، كتبت الباحثة هيذِر وليامز أن «قادة الدفاع يقولون إنه لا يوجد تسامح على الإطلاق مع التطرّف في الجيش»، لافتةً إلى أن «السياسات على مستوى وزارة الدفاع والخدمة في الجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية، تحظر بالفعل النشاط المتطرّف»، ذلك أن «التطرّف يتعارض في جوهره مع النظام الجيّد والانضباط للوحدات العسكرية». ولكن وليامز أقرّت بأن «الجيش لا يستطيع القضاء بشكل كامل على بلاء يتكاثر ويتوسَّع حوله»، إذ يعاني أفراده «من مشكلة تطرُّف متنامية، لأن أميركا تعاني منها. أعضاء الخدمة الذين يتبنّون التطرُّف العنيف هم قلّة لحسن الحظ، لكن المواطنين الأميركيين الذين يفعلون ذلك للأسف كثيرون جداً. ونحن كَأُمّة بحاجة إلى التعامل مع كليهما».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا