عشيّة المؤتمر المقرَّر عقده في إسطنبول، في نيسان/ أبريل المقبل، تنشط الدبلوماسية بوتيرة متسارعة في الملفّ الأفغاني، للإبقاء على فرص التسوية السياسيّة قائمة قبيل حلول موعد الانسحاب الأميركي في الأوّل من أيار/ مايو المقبل. إلّا أن التذبذب الأميركي إزاء الالتزام بموعد الانسحاب لا يزال يحول دون رسم إطار واضح لمآل الحرب، وهو ما ترفضه حركة «طالبان» التي لوّح الناطق باسم مكتبها السياسي، محمد نعيم، يوم أمس، بإطلاق «هجمات الربيع»، في ردّه على احتمال إرجاء إدارة جو بايدن سحب القوات الأميركية من أفغانستان. احتمالٌ تُراهن عليه حكومة كابول التي تخشى فراغاً دولياً يُضيّع منها مكتسبات راكمتها في ظلّ الاحتلال، ويُدخل البلاد في أتون «حرب أهليّة» في حالة خروج القوّات الأجنبية قبل التوصُّل إلى حلٍّ ينهي الصراع القائم.إزاء هاتين الوجهتَين المتقابلتَين، يُعوِّل اللاعبون الإقليميون (باكستان، تركيا وروسيا) على مؤتمر إسطنبول المُقرَّر عقده الشهر المقبل، بعد آخر عُقد أخيراً في موسكو، لدوره في دفع عمليّة السلام المتعثّرة قُدُماً ووضع خريطة طريق واضحة للمصالحة، ريثما تنتهي الإدارة الأميركية من مراجعة «اتفاق الدوحة» قبيل حلول موعد الانسحاب المُدرج ضمن الاتفاق الآنف. وفي هذا السياق، بوشر الحديث عن تداعيات الانسحاب المبكر، بعدما أقرّ الرئيس الأميركي، في مؤتمره الصحافي الأوّل الأسبوع الماضي، صعوبةَ إتمامه في الموعد المُحدَّد، وإن حاول تأكيد «تصوّره» بعدم بقاء قوّات بلاده في عام 2022 في هذا البلد. وقال بايدن: «ليس في نيّتي البقاء هناك لفترة طويلة»، وسط تشديده على أنه «سيكون من الصعب الوفاء بموعد الأول من أيار/ مايو لأسباب استراتيجية»، مضيفاً إنه «إذا غادرنا، فسنفعل ذلك بطريقة آمنة ومنظّمة. نحن نجري مناقشات مع حلفائنا وشركائنا حول طريقة المضيّ قُدُماً». يُجلِّي هذا التردُّد التوجُّه الأميركي للبقاء لمُدِّة يحتمل أن تطول، ولا سيما أن الاستخبارات حذّرت سلطات البيت الأبيض من مغبّة سحب القوّات من أفغانستان قبل توصُّل الأطراف الأفغانيين إلى اتفاق لتقاسم السلطة، بحسب ما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر في الإدارة. وأضافت الصحيفة، في تقريرها الصادر يوم الجمعة الماضي، إن «طالبان» قد تستولي على معظم مناطق البلاد خلال عامين أو ثلاثة أعوام بعد خروج القوّات الأجنبية، متابعةً أن تنظيم «القاعدة» سيعيد بناء صفوفه أيضاً في حال سيطرة «طالبان» على الحكم.
صعّدت حركة «طالبان» تهديداتها باستئناف العمليات العسكرية ضدّ القوّات الأميركية والدولية


في موازاة هذه التعقيدات، صعّدت حركة «طالبان» تهديداتها باستئناف العمليات العسكرية ضدّ القوّات الأميركية والدولية في حال بقائها في أفغانستان، وهو ما يُمثِّل، بحسبها، خرقاً للاتفاق الموقَّع مع الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب، ستترتّب عليه عواقب. ووجّهت الحركة، في الأيام الماضية، تهديدات صريحة بالعودة إلى القتال، واصفةً تصريحات بايدن في شأن خروج القوات الأميركية من أفغانستان، بـ»المبهمة»، ومؤكدةً أن «اتفاق الدوحة» هو الطريق الأقصر لحلّ القضيّة الأفغانية وإنهاء دوامة الحرب المستمرّة. ولم تتأخّر الحكومة الأفغانيّة للإدلاء بموقفها، إذ حذّرت من خطورة تهديد غريمتها، مشدِّدة على ضرورة بقاء القوّات الأجنبية في البلاد لغاية التوصُّل إلى اتفاق شامل لا تزال أساساته مختلّة. وأكّد الناطق باسم الرئاسة الأفغانية، دوا خان مينه بال، أن حكومة كابول و»حلف شمالي الأطلسي» يدرسان تهديد «طالبان»، معتبراً أن التهديد قائم وموجّه إلى القوّات الأفغانية والدولية على السواء، ومشيراً إلى أن مواجهة هذا التهديد عمل مشترك للحكومة الأفغانية وحلفائها، وستستمر تلك المواجهة إلى حين زوال ذلك التهديد. من جهته، تحدَّث مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب، عن خطر اندلاع حرب أهلية في حالة خروج القوات الأجنبية من أفغانستان قبل وصول الأطراف الأفغانيين إلى حلٍّ ينهي الصراع القائم. وقال إن خروج هذه القوّات، قد يؤدّي إلى «حرب أهليّة لا تحمد عقباها»، مستبعداً، في الوقت ذاته، احتمال أن تصبح الحكومة الأفغانية بيد «طالبان» بعد خروج القوات الأميركية والدولية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا