البرازيل | براءة لولا دا سيلفا: انكشاف التآمر الأميركي
لم يكن الحُكم القضائي الذي أصدره القاضي في المحكمة العليا، إدسون فاكين، مُرضياً للزعيم العمّالي وفريق دفاعه. فالقرار الذي اعتُبر، في الشكل، انتصاراً لقضيّة دا سيلفا، أتى لتهريب قاضي التحقيق سيرجيو مورو، والمدّعي العام دلتان دالاغنول، مِن مسؤوليّتهما في التلاعب بالأدلّة والشهادات وفبركة قرائن واستدلالات بُنِي على أساسها كامل القضية التي مَنعت لولا من الفوز برئاسة البرازيل عام 2018، وأودعته السجن 580 يوماً، وحرمته من كامل حقوقه السياسية. يقول فريق الدفاع عن دا سيلفا إن قرار «لا غالب ولا مغلوب» لا يفي بالهدف المنشود، بل يضع موكّلهم أمام مخاطر إعادة سيناريو التحقيقات، إذ لا توجد أيّ ضمانات بعدم تَبنِّي المحكمة الفدرالية في برازيليا المسار القضائي نفسه الذي اتّبعته سابقتها، وبالتالي فإن الأدلّة الحاسمة على تورُّط المحقّقين والقضاة في فبركة الاتهامات، تُسقط القضية من أساسها، بدَلَ أن تحوِّلها من محكمة إلى أخرى، وتضع المسؤولين عنها أمام مساءلة تصل إلى حدّ الخيانة العظمى.
في الأدلّة المتراكمة التي نشرها موقع «إنترسبت» الأميركي، والهاكر والتر ديلغاتي، تُظهر التسجيلات كيف تمّت حياكة القضية عبر اتفاقات ثنائية عُقدت بين المدّعي العام وقاضي التحقيق. آخر الأدلة جاء كالصاعقة على المتورّطين، حيث بثّ فريق الدفاع مكالمةً للمدّعي العام، دلتان دلاغنول، تُبيّن تعاونه مع السلطات الأميركية بهدف إظهار شركة النفط الحكومية، «بتروبراس»، كمؤسّسة فاشلة ومنهوبة، وتالياً تسهيل طريق خصخصتها لمصلحة الأميركيين، وهو ما يسعى إليه الرئيس الحالي، جايير بولسُنارو، منذ تولّيه الحكم، إذ ترأّس اجتماعاً، الأسبوع الفائت، مع وزرائه بغية السير في هذا القرار.
في الصراع القضائي الداخلي، يسعى قاضي المحكمة العليا، جيلمار مندس، إلى إدانة القاضي سيرجيو مورو، والمدعي العام دلاغنول. لكن ثمّة أصواتاً داخل المحكمة تدعو إلى التأجيل، خوفاً من التداعيات الخطيرة لانكشاف الكثير من الملابسات التي من شأنها أن تفضح جزءاً كبيراً من القضاء والأجهزة الأمنية وارتباطاتهم السياسية والخارجية، إلّا أن المعلومات الخاصة تفيد بأن القاضي مندس سيسلك طريقاً مغايراً لذلك الذي سلكه زميله إدسون فاكين، كون التغطية على المتورّطين باتت مسألة شديدة الصعوبة.
قبل ثلاث سنوات، احتشد مناصرو الزعيم العمّالي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أمام مقرّ نقابة «الحدّادين» في ساو باولو. ناشد هؤلاء قائدهم أن يبقى طليقاً تحت حمايتهم، وعرَضوا نصب الخيام أمام المبنى لمنع اعتقال «أبي الفقراء». حينها، ترجَّل دا سيلفا، وقال: «لستُ مجرماً ولا سارقاً، سأواجههم وسأنظر في أعينهم. أنا أقوى منهم، هم لا يريدون شخصي، بل يريدون إفقاركم وقتلكم وتسليم أموركم إلى الفاسدين الحقيقيين، إذا كانوا يعتقدون بأن الزنزانة ستخنق صوتي فهم واهمون، لقد ناضلت منذ الصغر، وها أنا أعود إلى أجمل الأوقات».
أودِع دا سيلفا السجن، وحُرم من التواصل مع الخارج إلّا باستثناءات محدودة؛ لكن الرجل، وعلى رغم محاولات إسقاطه سياسياً واجتماعياً ونفسياً، حوّل زنزانته إلى قاعدة انطلاق لكشف الحقيقة التي انتظرها عاماً ونصف عام داخل جدران سجنه، ومدّة مشابهة خارجها. وهكذا، تحقّقت نبوءات «السجين السياسي»؛ فالبرازيليون زاد فقرهم واشتدّ مرضهم وباتوا على مشارف تَصدُّر الدول في عدد إصابات ووفيات فيروس «كورونا»، وتراجعت نسبة النموّ في بلادهم إلى أدنى مستوياتها، وانخفضت قيمة العملة المحليّة بشكل حادّ، وزاد عدد العاطلين من العمل، عدا عن الإرباك السياسي والإداري وعقلية الرئيس الراديكالي الذي فشل في حماية البلاد من وباء كان يمكن التخفيف من تداعياته لو اتُّخذت الإجراءات اللازمة منذ البداية. أمّا النبوءة الأهم، فتمثّلت في قول لولا أمام القاضي سيرجيو مورو: «سيأتي اليوم الذي تطأطئون فيه رؤوسكم، وأخرج مرفوع الرأس، سيلعنكم شعبكم حينها وستولون أنتم وأسيادكم إلى الجحيم».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا