بعد الإفراج عن دليلها للأمن القومي الذي يحمل شعار "تجديد الديموقراطية بعيداً عن التدخُّلات العسكرية"، خرجت الإدارة الأميركية الجديدة لتُعلِن نيّتها دراسة انسحاب كامل من أفغانستان بحلول الأول من أيار/ مايو المقبل، وهو التاريخ المُحدَّد في إطار "اتفاق الدوحة" الموقَّع، قَبل عام، بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وحركة "طالبان". انسحابٌ يبقى مرهوناً بجملة عوامل، لعلّ أهمّها التوصُّل إلى تسوية بين الأطراق المتخاصمين، تحدِّد ملامح المرحلة التي تلي جلاء القوات الأجنبية، فيما لو تحقَّق. وفي رسالته إلى الرئيس الأفغاني، أشرف غني، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة تنظر في خيارات أخرى أيضاً، لافتاً إلى أن بلاده تقوم بجهود رفيعة المستوى مع الأطراف المعنيّين ومع الدول الإقليمية والأمم المتحدة، من أجل الإسراع في محادثات السلام والوصول إلى تسوية ووقف دائم وشامل لإطلاق النار. وتشمل الإجراءات الأميركية خطوات عدّة، تتضمّن الأولى عقدَ اجتماع لوزراء خارجية ومبعوثين من روسيا والصين وباكستان وإيران والهند والولايات المتحدة، ترعاه الأمم المتحدة، لمناقشة نهج موحّد لدعم السلام في أفغانستان؛ فيما تتمثَّل الثانية في "مشاركة المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، مقترحات مكتوبة مع الرئيس الأفغاني وقادة طالبان" تهدف إلى "تسريع المفاوضات التي تتعلق بالتسوية ووقف إطلاق النار"، وتعكس "بعض الأفكار المطروحة في خريطة الطريق لعملية السلام"؛ وفي الثالثة "سيُطلب من تركيا استضافة اجتماع رفيع المستوى للجانبين (الأفغانيين) خلال الأسابيع المقبلة، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام".
سيُطلب من تركيا استضافة اجتماع رفيع المستوى للجانبَين الأفغانيَّين خلال الأسابيع المقبلة

ثمثّل هذه المقترحات، بلا شكّ، مفاجأة لحكومة كابول التي عوّلت على انفراط عقد الاتفاق بين واشنطن و"طالبان" في ظلّ إدارة جو بايدن، بعدما أظهرت هذه الأخيرة توجُّساً واضحاً إزاء الانسحاب، في موازاة إبداء رغبةٍ في الاضطلاع بمهمّات ما يُسمّى "مكافحة الإرهاب" في هذا البلد. وتفيد وثيقة الأمن القومي، في هذا السياق، بأن الولايات المتحدة "يجب ألّا تخوض، ولن تشارك، في حروب أبدية أودت بحياة الآلاف، وأهدرت تريليونات الدولارات. سنعمل على إنهاء أطول حرب أميركية في أفغانستان بشكل مسؤول، مع ضمان ألّا يصبح هذا البلد مرّة أخرى ملاذاً آمناً للهجمات الإرهابية ضدّ الولايات المتحدة". تُبقي هذه المقاربة في الحسبان كلّ الاحتمالات قائمة، في ظلّ الرسائل المتباينة لإدارة بايدن حيال مستقبل اتفاق السلام والتعامُل مع الأزمة الأفغانية، ووسط توقّعات تشير إلى احتمال رفض حكومة غني الانخراط في محادثات لا تحصِّل فيها المكاسب المبتغاة، وأبرزها الحفاظ على مظلّة الاحتلال، خشية استئثار "طالبان" بالسلطة مجدّداً.
في هذا الوقت، أعدّت الولايات المتحدة، وفق بلينكن، مقترحاً لخفض أعمال العنف لمدّة 90 يوماً، "يهدف إلى منع هجوم الربيع من قِبَل طالبان، بالتزامن مع جهودنا الدبلوماسية لدعم تسوية سياسية بين الطرفين". ويجيء الحراك الأميركي، الذي بدأ بجولة خليل زاد على دول المنطقة المعنيّة بالتسوية، في وقت بدأ فيه العدُّ العكسي لتنفيذ الشرط الرئيسي الذي تضمّنه "اتفاق الدوحة"، والقاضي بانسحاب كامل للقوّات الأميركية والأجنبية من أفغانستان بحلول الأول من أيار/ مايو. وأفادت مصادر دبلوماسية وسياسية، "رويترز"، بأن المبعوث الأميركي اقترح، في الأيام الماضية، تعديلاً على عملية السلام المتعثّرة بين الحكومة و"طالبان" يشمل تشكيل حكومة موقّتة، وعقد مؤتمر للأطراف الأفغان. خطّةٌ واجهت اعتراضات فورية من قِبَل الحركة والحكومة، إذ قال غني، أوّل من أمس، إن حكومته مستعدّة لمناقشة إجراء انتخابات جديدة لدفع محادثات السلام مع "طالبان" قُدُماً. وبحسب مصادر "رويترز"، شملت مقترحات خليل زاد، الذي التقى المسؤولين الأفغان في كابول الأسبوع الماضي، الاتفاق على حكومة موقّتة أشير إليها باعتبارها حكومة تشاركية أو تمثيليّة. وكرّر غني رفضه التنحّي لتشكيل حكومة موقّتة، محذّراً من أن أيّ انتقال للسلطة يجب أن يتمّ من خلال انتخابات، كما يقضي الدستور.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا