طهران | أشهرٌ قليلة تفصل إيران عن السباق الرئاسي الجديد في 18 حزيران/ يونيو المقبل، أي اليوم الذي سيختار فيه الإيرانيون خليفة الرئيس حسن روحاني. تأتي هذه الانتخابات في ظروف استثنائية، بعد أشهر من الانتخابات النيابية (شباط/ فبراير 2020) التي شهدت أقلّ نسبة إقبال منذ تأسيس الجمهورية (42.7% تقريباً)، وهو الأمر الذي أثار جدلاً في شأن استياء الشعب من الركود الاقتصادي والأوضاع الصعبة التي تعانيها البلاد. يضاف إلى ذلك تفشّي وباء «كورونا»، الذي أدّى إلى اتخاذ قرار بإجراء العملية الانتخابية على مدى يومين، منعاً للاكتظاظ ومراعاة للمعايير الصحّية.الأول من نيسان/ أبريل المقبل هو بداية مهلة تقديم طلبات المرشّحين الراغبين في خوض المعركة الانتخابية، على أن تتمّ المصادقة عليها في الأول من حزيران/ يونيو، قبل أيّام من موعد الانتخابات، وسط توقّعات مغايرة لما ساد في الدورتين السابقتين، اللتين شهدتا تقدُّماً ملحوظاً لـ»التيّار الإصلاحي» على حساب «التيّار المحافظ»، بناءً على ما كان يتحقّق من تطوُّر على صعيد المفاوضات مع أميركا، والتي انتهت بالتوصّل إلى الاتفاق النووي المبرَم عام 2015، الأمر الذي عزّز من مكانة «الإصلاحيّين» ومن موقف الرئيس روحاني، حينها، مؤدّياً إلى فوز الأخير بولاية رئاسية ثانية بأغلبية ساحقة.
تبدّلت الأحوال اليوم، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الانتخابات النيابية الأخيرة (شباط/ فبراير 2020)، حيث حقّق «التيار المحافظ» فوزاً ساحقاً، عبر سيطرته على نسبة 76% من مجلس الشورى (222 نائباً)، مقابل 6% لـ»الإصلاحيين» (16 نائباً)، و18% للمستقلّين (53 نائباً). ويردّ الشارع الإيراني تلك النتيجة إلى الإخفاق في إتمام الاتفاق النووي، وانسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه في عام 2018، وما تبعه من تضييق للخناق على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي ساهم في تدعيم مواقف «التيار المحافظ» في الشارع الإيراني، بناءً على إيمان الأغلبية الشعبية بأنّه التيار القادر على التعامل مع الاحتيال الأميركي، والوقوف في وجه التهديدات الاقتصادية والأمنية، وإيجاد الحلول على المدى الطويل، من دون الخضوع لشروطٍ ساهمت في زيادة الانهيار بشكل لم تشهده البلاد من قَبل.
حاول «التيّار الإصلاحي» الالتفاف على الإخفاق مبكراً بتحميل روحاني كامل المسؤولية عنه


حاول «التيّار الإصلاحي» الالتفاف على الإخفاق باكراً، حتى قبيل الانتخابات البرلمانية، محمِّلاً روحاني وحده كامل المسؤولية، وفق ما بدا في تصريحات رموزه التي سعت إلى الابتعاد عن الرئيس، والتملّص منه كحليف، وربطه بأصولٍ معتدلة أو محافظة، تفادياً لنتائج الانتخابات التي لم يقدر ــــ مع ذلك ــــ على تجاوزها لأسباب عديدة، منها الخلافات الحادّة التي نشبت بين أفراده وبين روحاني، الذي اعتبر أنصاره أن «التيار الإصلاحي» يقدّمه ككبش محرقة أمام الرأي العام الإيراني. اليوم، يحاول «الإصلاحيون» العودة إلى المنافسة على الرئاسة، وفي جعبتهم نقطة تحوّل قوية تتمثّل بخسارة ترامب للانتخابات الرئاسية الأخيرة في أميركا وصعود جو بايدن إلى سدّة الرئاسة، مستفيدين في الوقت ذاته من معارضة الأخير لسياسات ترامب، وتصريحاته الناعمة والإيجابية نوعاً ما. ومن هذا المنطلق، يرى خبير العلاقات الدولية، الدكتور حسن زادة، المقرّب من «التيار الإصلاحي»، أن من المتوقّع أن يكون هناك انفراج اقتصادي نسبي، من خلال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، في ظلّ تسلّم بايدن الرئاسة، وهو ما يصبّ في مصلحة «الإصلاحيين» خلال العملية الانتخابية. ويذهب زادة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى اعتبار أن هذا الأمر يمنح «الإصلاحيين» أملاً في وضع ورقة رابحة على الطاولة، عبر التعاون مع إدارة بايدن للعودة تدريجياً إلى الاتفاق، مع اتخاذ خطوات جدية من شأنها أن تعطي دفعاً إيجابياً لأيّ انفراج اقتصادي في الأيام التي تسبق موعد الانتخابات.
في المقابل، يشير زادة إلى أن «التيار المحافظ» يسعى بدوره للفوز بالأغلبية الساحقة، مستفيداً من عامل الانتخابات النيابية والتأييد الشعبي المتزايد له، وخصوصاً أن الأسماء التي يجري تداولها لخوض السباق هي لشخصيات بارزة، مثل رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، ورئيس الهيئة القضائية إبراهيم رئيسي. ولكن لا يزال في جعبة «التيار الإصلاحي» ما يقدّمه، الأمر الذي تبلور عبر طرْح اسم منافس كبير، هو النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري. بناءً على ما تقدّم، يمكن القول إن الانتخابات الرئاسية لا تبشّر بحسم مبكر، مثل الانتخابات البرلمانية، ولن تنتهي قبل اللحظات الأخيرة.
من جهته، يقول الباحث السياسي المحافظ، ميثم برزة، في حديث إلى «الأخبار»، إنه لا يتوقّع منافسة تُذكر من قِبَل أيّ مرشّح إصلاحي، «لأنّ الشارع الإيراني اليوم يقدّم الثقة للمحافظين، من خلال المواقف والآراء، وقد أثبت ذلك في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات النيابية». وبحسب برزة، فإن «ما يعزّز هذه الثقة هو وجود خطّة ثابتة وشاملة للنهوض بالاقتصاد الإيراني، من خلال الحلول البديلة مثل الخطّ الحريري الذي تعمل عليه الصين وخطّ سكّة الحديد شمال جنوب مع الهند، والميزانية الداخلية الجديدة التي وصلت إلى حدّ الصفر في المئة اعتماداً على النفط، والاتكال على الصناعات البديلة والتبادلات التجارية الثنائية التي تشهد نمواً سريعاً، من خلال التسهيلات التي تقدّمها إيران لمعظم الدول». ويؤكد برزة أن «الشعب الإيراني لن يثق مجدّداً بأيّ طروحات أميركية»، معتبراً أن «التجارب على مدى 40 عاماً مع الإدارات الأميركية المتعاقبة أثبتت أن جميعها فروع للأصل ذاته».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا