خطا الرئيس الأميركي المنصرِف، دونالد ترامب، خطوة إضافية في اتّجاه تعزيز الجبهة المعادية لإيران، ورسم استراتيجية خَلَفه جو بايدن في المنطقة، قبل أيّام من مغادرته منصب الرئاسة. خطوةٌ قضت بضمّ إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الوسطى، «سنتكوم»، ومقرّها قطر، بعدما أصبحت الأولى «أكثر مقبولية» في محيطها العربي بفعل اتفاقات التطبيع التي رعاها البيت الأبيض. ويراد من وراء القرار الأخير إحداث تحوّل عسكري لتحفيز التعاون العربي - الإسرائيلي في مواجهة الجمهورية الإسلامية، بحسب ما كشف مسؤولون أميركيون تحدّثوا إلى صحيفة «وول ستريت جورنال».قرار نَقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأميركية في أوروبا، إلى «سنتكوم»، أكّده «البنتاغون»، أمس، وعزاه إلى «خفض التوتّر بينها وبين وجيرانها بعد اتفاقات أبراهام، التي أتاحت فرصة جمع الشركاء ضدّ التهديدات». وبموجب القرار، ستُشرف القيادة المركزية على كلّ من الكيان العبري والدول العربية، في ما يُمثِّل «خروجاً عن هيكل القيادة العسكرية الأميركية المعمول به منذ عقود»، بحسب «وول ستريت جورنال». إعادة تنظيم هيكل القيادة المركزية الأميركية، في الأيّام الأخيرة من عمر رئاسة ترامب، جاء استجابةً لدعوات وجّهتها جماعات موالية لإسرائيل، من بينها «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي» - وهو مجموعة مقرّها واشنطن تدعم التعاون العسكري الوثيق بين الولايات المتحدة وكيان العدوّ -، الذي حثّ على هذا التحوّل في كانون الأول/ ديسمبر، كوسيلةٍ لتشجيع الاصطفاف الناشئ بين إسرائيل والدول العربية الرئيسة ضدّ إيران.
يعتزم بايدن إجراء مشاورات مع إسرائيل قبل أن يصوغ استراتيجية إدارته تجاه إيران


وتعدُّ هذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة تحرّكات إدارة ترامب لتشكيل أجندة الأمن القومي، التي سيرثها الرئيس المنتخَب، وفق الصحيفة. لكن الرئيس المقبل، بحسب ما كشف مصدر مقرّب من فريقه الانتقالي، في حديث إلى صحيفة «يسرائيل هيوم»، أمس، يعتزم إجراء مشاورات مع إسرائيل قبل أن يصوغ استراتيجية إدارته تجاه إيران، إذ لا يزال فريقه يبحث في كيفية التعامل مع الجمهورية الإسلامية. وأكّد المصدر أن الهدف الشامل الذي حدّدته الإدارة المقبلة، ليس منع طهران من تسليح نفسها بأسلحة نووية فحسب، ولكن أيضاً «وقف برنامجها الصاروخي وعدوانها الإقليمي».
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله: «الآن، بات في إمكان الجنرال فرانك ماكنزي (قائد سنتكوم) الذهاب إلى السعودية والإمارات وإسرائيل وزيارة الجميع في أبرشيته الموسّعة حديثاً»، فيما اعتبر أنطوني زيني، القائد السابق للقيادة المركزية، أن «التوقيت ربّما يكون مناسباً للقيام بذلك». وأضاف: «يمكننا أن نرى مزيداً من الدول العربية تعترف بإسرائيل، لذا فمن المنطقي وضعها جميعاً تحت قيادة أميركية موحّدة». ورأى ضابط عسكري أميركي متقاعد آخر أن من شأن الخطوة أن تُعزّز جهود الولايات المتحدة التطبيعيّة، لكنه حذّر من أن ذلك سيزيد العبء على مقرّ القيادة المركزية الذي يتحمّل بالفعل مسؤولية العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها. وأضاف أنه من خلال الإعلان عن الخطوة في أيّامه الأخيرة، يترك ترامب الأمر لخَلَفه لتنفيذ القرار بالكامل والتعامل مع عواقبه. من جهته، اعتبر عومر دوستري، الصحافي والباحث في «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن»، أن من شأن قرار الرئيس الذي شارفت ولايته على الانتهاء، أن «يُحصّن قوّة إسرائيل ومكانتها» في المنطقة، لافتاً خصوصاً إلى القيادة الوسطى، «حيث يجب أن تكون إسرائيل، وأن تتمتّع بحضور عسكري ثابت ودائم في القواعد في قطر والإمارات والبحرين». أهمّية هذا المسار، وفق دوستري، «تكمن في تعزيز وملاءمة مجالات التعاون الإقليمية لكلتا الدولتَين»، ولا سيما التعاون العسكري (يتضمّن الحملات والعمليات والحروب العسكرية) بين إسرائيل ودول المنطقة (مثال على ذلك إشراك الجيش الإسرائيلي في تدريبات عسكرية تُنظّمها القيادة المركزية الأميركية في الإمارات). كما من شأن هذه الخطوة أن تُقلّص الإجراءات البيروقراطية التي تتطلّب نقل وسائل لوجستية وقتالية من واشنطن إلى تل أبيب «من أجل تقوية وتعزيز الردع الإسرائيلي في المنطقة». ويلفت أخيراً إلى أن «كلّ ذلك مهمّ، على ما يبدو، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بمحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة. إيران ترى ذلك وتدركه أيضاً».