رودي جولياني، إيفانكا ترامب، نجم «نتفلكس» تايغر كينغ، وربّما أيضاً دونالد ترامب نفسه... من الأسماء المرشّحة للحصول على عفو رسمي، قبل مغادرة الرئيس الأميركي الذي ستنتهي ولايته منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير. خطوةٌ من شأنها أن تختبر الحدود السياسية والدستورية لسلطة عمرها قرون ردّدت صدى النظام الملكي البريطاني، كما ستكون أداة كاشفة عن الخطر القانوني المحتمل على ترامب وحلفائه، بمجرّد مغادرتهم البيت الأبيض.وفي حين أن توقيع الرؤساء على العفو، في نهاية إدارتهم، بات من طقوس واشنطن، إلّا أن ترامب يفكّر في القيام بذلك بأسلوب غير اعتيادي، ملوّحاً بأن يشمل المساعدين والأصدقاء وأفراد الأسرة، الذين يعتقد أنّهم سُجنوا بشكل غير عادل، أو اتُّهموا، أو هم معرّضون للخطر القانوني. بمعنى آخر، «لا يجري الحديث عن العفو ما لم يكن هناك قلق بشأن الأشياء التي تمّ ارتكابها بشكل خاطئ»، على حدّ تعبير تارا سيتماير، مديرة الاتصالات السابقة في الحزب الجمهوري في الكونغرس، في حديث إلى صحيفة «ذي غارديان» البريطانية.
وعلى هذا الأساس، قد يكون العفو، الشهر الماضي، عن مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، الذي اتُهم بالكذب على مكتب التحقيقات الفدرالي بشأن محادثاته مع دبلوماسي روسي، مجرّد البداية. فقبل أسبوعين، تَبيّن أن وزارة العدل تُحقّق في مزاعم «رشوة مقابل عفو» في البيت الأبيض، في وقت أفيد فيه بأنّ محامي ترامب رودي جولياني، الذي تخضع تعاملاته التجارية في أوكرانيا للتحقيق، تحدّث إلى الرئيس بشأن العفو. كذلك، من بين الذين يأملون رحمة ترامب، الحلفاء القدامى الذين أُدينوا في أعقاب التحقيق الذي أجراه المستشار الخاص روبرت مولر، وهم رئيس الحملة الانتخابية السابق بول مانافورت، ونائبه ريك غايتس، ومساعد الحملة السابق جورج بابادوبولوس. أكثر مما تَقدّم، قد يطال العفو أشخاصاً أقرب من ذلك بكثير، إذ ذكرت «ذي صحيفة نيويورك تايمز» أن ترامب سأل مستشارين عن إمكانية العفو «الوقائي» عن أبنائه الثلاثة الأكبر سنّاً. فبينما لم يتّم اتهام أيّ منهم بارتكاب أيّ مخالفات جنائية، إلّا أنّ عدداً من المحامين تحدّث مع ابنته وكبيرة مستشاريه، إيفانكا، بزعم أن لجنة تنصيب ترامب لعام 2017، أساءت استخدام أموال المانحين. هذا فضلاً عن أنّ سايروس فانس، المدّعي العام لمنطقة مانهاتن، وليتيتيا جيمس، المدّعي العام لنيويورك، أجريا تحقيقات في الاحتيال الضريبي لترامب وشركته العائلية. وقد تمّ عزل نجله إريك، نائب الرئيس التنفيذي للشركة، في تشرين الأول/ أكتوبر، بسبب تورّطه. ولكن بينما ينطبق العفو على الجرائم الفدرالية فقط، فهو لا يمتدّ إلى قوانين الولاية، لذا فإنّ قدرة ترامب على تحصين نفسه وعائلته تبقى محدودة.
ينطبق العفو على الجرائم الفدرالية فقط ولا يمتدّ إلى قوانين الولاية


مع ذلك، تثير تحرّكات الرئيس الذي ستنتهي ولايته قريباً في هذا الاتجاه الكثير من الانتقادات والتساؤلات عن مدى حريّته الدستورية والقانونية، الأمر الذي تطرّق إليه العديد من وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة، فكان منها مَن روّج للموضوع على أنه طبيعي جداً، يحمل سوابق كثيرة، في حين رأى كثيرون أن ترامب يستغلّ الصلاحيات المعطاة له في غير مكانها. وفي هذا الإطار، أشار داعمو هذه الخطوة إلى أن الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، أصدر، في عام 2001، عفواً عن شقيقه روجر، الذي أُدين بحيازة الكوكايين في أركنساس، بل إن ما ذهب إليه عدد من الخبراء هو أنه يمكن بالفعل للرؤساء منح العفو للأشخاص الذين لم يتمّ توجيه تهم إليهم بعد، على اعتبار أنّ الرئيس جيرالد فورد أصدر، عام 1974، عفواً واسعاً عن سلفه ريتشارد نيكسون.
في كلّ الأحوال، لن يقتصر الأمر على أبناء ترامب، فهذا الأخير يفكّر في العفو عن نفسه أيضاً، استناداً إلى ما كان قد صرّح به، عام 2018، عن أن لديه «الحق المطلق» في القيام بذلك. حقّ لم يختبره أيّ من أسلافه، في حين من المتوقّع أن يفتح باباً على مشاكل قانونية كثيرة، ولا سيما أن ما يصبو إليه ترامب هو أن يحميه العفو الذاتي من أخطر قضية اتحادية ضدّه، وهي تقرير مولر النهائي الذي حدّد 10 حالات لعرقلة محتملة للعدالة، بينما خلص مئات من المدّعين السابقين إلى أن الأدلّة تدعم مثل هذه التهمة.
الكثير من الخبراء القانونيين يرون أن العفو الذاتي سيكون غير دستوري، لأنه ينتهك المبدأ الأساسي القائل بأنه «لا ينبغي لأحد أن يكون القاضي في قضيّته». هذا فضلاً عن أن الحجج ضدّ العفو الذاتي تشمل المواضيع الدستورية للحكم على الذات والتعامل مع الذات، والطبيعة الجائرة للرئيس الذي يعلو على القانون، وانتهاك مبدأ الثقة العامة، وإدراج كلمة «منحة» في نص الدستور، ذلك أنه «لا يمكن للمرء أن يمنح شيئاً لنفسه»، فضلاً عن تعريف «العفو»، على اعتبار أنه «لا يمكن للمرء أن يمنح العفو لنفسه»، وعدم كفاية الضمانات الأخرى مثل العواقب السياسية.
علاوة على ما سبق، هناك من يلفت إلى أن هذه المسألة القانونية تعدّ غير تقليدية، ولم يُتعامل معها من قبل، كما لم تعالج أيّ محكمة فدرالية مثيلاً لها. وبالتالي، حتى لو أصدر الرئيس قراراً بالعفو عن نفسه، يعتقد خبراء القانون الدستوري أن من المشكوك فيه أن تصدر المحكمة العليا حكماً نهائياً بشأن مشروعية هذا العفو، نظراً إلى اعتبارات عملية وشواغل تتعلّق بالفصل بين السلطات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا