عند محاولته تفسير سبب اختياره من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستشاراً للأمن القومي، أكد جون بولتون أن الأخير قام بذلك ليس نتيجة لاقتناعه برؤاه وآرائه بالنسبة إلى الوضع الدولي وأزماته، بل لاستخدامه وأمثاله من المتشددين في الإدارة، كفزاعة تحمل الخصوم على الانصياع لإرادته ومطالبه. بكلام آخر، وبحسب بولتون، فإنه عُيّن في منصبه كجزء من تكتيك تفاوضي لرئيس يرى أنه قادر على عقد صفقات في السياسة الدولية كما كان يفعل في المضاربات العقارية.هذا الواقع لا يلغي طبعاً أنه مُحاط بحزب حرب حقيقي، مؤيد لإسرائيل ومعادٍ جذرياً لإيران، دفعه إلى تصعيد مسعور ضدها بهدف استدراجها إلى حرب مفتوحة. ترامب لا يريد الحرب، بل صفقة تذعن فيها إيران لقسم كبير من إملاءاته، بينما المجموعة العقائدية-الأيديولوجية الملتفة حول الثنائي مايك بومبيو-مايك بنس تسعى إليها وهي تحاول خلق الظروف المناسبة لتتدحرج الأوضاع نحوها. وهي تعتبر أن تعزيز حضورها في محيط الرئيس الأميركي قد يسهم في نجاح المسعى المشار إليه.
مصادر مطلعة في العاصمة الأميركية أشارت لـ»الأخبار» إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو هو من عمل بكد لكي يعيّن إليوت أبرامز، الصهيوني العقائدي، كمسؤول لملف إيران بعد سلفه المستقيل براين هوك. أبرامز من المحافظين الجدد وسجلّه معروف، من المهام التي اضطلع فيها في حروب الولايات المتحدة القذرة في أميركا الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي، إلى دوره الحيوي داخل التيار الأكثر تطرفاً في اللوبي الإسرائيلي. تقر المصادر المذكورة بأن أبرامز فشل في فنزويلا، وبأن فرصته في النجاح في مهمته الجديدة غير مضمونة البتة، لكنها تلفت إلى أنه سيكون من أعلى الأصوات المحرّضة على ضرب إيران في الإدارة، إلى درجة أن بومبيو بنفسه سيبدو معتدلاً مقارنة به.
وتؤكد المصادر أن «أبرامز هو بين مجموعة المحافظين الجدد التي كانت تكره ترامب، بسبب رفضه الحرب على العراق عام 2003، والتي عارضت تبنّيه كمرشح من قبل الحزب الجمهوري. قسم معتبر من هؤلاء، وبعض أقطابهم كبيل كريستول مثلاً، كان يجزم بأن ترامب انتهازي وغير مؤهل وأحمق وأنه لا يعقل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة. لكن بعد انتخابه، رأى عدد منهم أن بإمكانهم، بفضل وجود عناصر مؤثرين عليه في إدارته، كبومبيو وبنس، يشاركونهم مواقفهم من إسرائيل وإيران، أن يعملوا على استكمال إنفاذ أجندتهم في الإقليم عبر ضرب إيران. بعد ما لحق بالعراق وليبيا وسوريا، لم يبقَ في نظر هؤلاء سوى إيران.
ترامب صرّح أخيراً أنه في حال إعادة انتخابه، سيتوصل إلى عقد اتفاق مع كل من كوريا الشمالية وإيران. وعلى الرغم من أن هذا التصريح هو جزء من حملته الانتخابية، وغايته إقناع رأيه العام بأنه قادر على تحقيق إنجازات في السياسة الخارجية، وأن «يبيعه» فكرة أنه أفلح في تجنيب الولايات المتحدة خوض حرب جديدة، وأن ينسيه النتائج الكارثية لسياسته حيال جائحة «كورونا»، مع تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية المعروفة، إلا أن مجرد ذكره لهذا الأمر يثير حنق «حزب الحرب». يحاول أقطاب «حزب الحرب» رص الصفوف وتكثيف الضغوط للمزيد من التوتير مع إيران، وهم ينطلقون من قناعة لن يجهروا بها علناً، غير أن جون بولتون المُقال فعل ذلك نيابة عنهم عندما دعا إسرائيل إلى ضرب إيران قبل الانتخابات الأميركية. القناعات الأيديولوجية والعقائدية تطغى على تفكير هؤلاء وتمنعهم من تقدير الموقف وموازين القوى بشكل دقيق وهم لن يتوقفوا عن تحريض ترامب أو حتى عن السعي إلى توريطه في مواجهة مباشرة مع إيران. ولا ريب في أن أبرامز سيشارك في هذه الجهود بنشاط.