لم يعد مختلَفاً عليه أن الولايات المتحدة تشهد، اليوم، أكبر انهيار اقتصادي في تاريخها، دَفَع وزارة التجارة إلى مصارحة السكّان بالثمن الباهظ الذي يتعيّن عليهم دفعه جرّاء تداعيات انتشار فيروس «كورونا». بحسب الأرقام والمعطيات، يدخل الاقتصاد الأميركي مرحلة انكماش شديد؛ إذ، وخلال الربع الثاني من هذا العام، انخفض الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 9,5 في المئة، وهو ما يعادل 32,9 في المئة محسوباً على أساس سنوي. وإذا استمرّ الانهيار على هذه الوتيرة خلال عام واحد، فسيعني ذلك أن الناتج المحلّي سينكمش بمقدار الثلث، في أكبر انهيار اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة، منذ أن بدأ إصدار التقارير الفصلية عام 1947. وهو انهيارٌ لن يكون أسوأ منذ الأزمة المالية عام 2008 فحسب، بل وحتى من الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.في غضون بضعة أشهر فقط، خسر الرئيس الحالي، دونالد ترامب، أكبر بطاقة رابحة لديه في الطريق إلى انتخابات 2020: النموّ والوظائف. خسارةٌ تُضاعف وطأتَها في الدوائر السياسية حقيقةُ أن الصين، الشبح الذي يرعب الدولة العميقة في الولايات المتحدة، كانت تحقّق صعوداً بالتزامن مع الهبوط الاقتصادي الأميركي. ففي الربع الثاني من هذه السنة، حين كان الاقتصاد الأميركي ينخفض بما يقارب العشرة في المئة، كان الاقتصاد الصيني يحقّق نمواً بنسبة 3,2 في المئة متعافياً من انخفاض الربع الأول.
وسُجّلت نقطة التحوّل في الاقتصاد الأميركي خلال الربع الأول من العام الحالي، بعد صعود طويل دام أحد عشر عاماً. ففي نيسان / أبريل الماضي، اختفت 20 مليون وظيفة من سوق العمل، عندما أغلقت شركات أبوابها واضطرّ الناس إلى البقاء في المنازل لتجنّب العدوى. وعلى رغم أن سوق العمل استعاد جزءاً بسيطاً من نشاطه في وقت لاحق، إلا أنه لا تزال هناك 15 مليون وظيفة مفقودة، بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل الوباء.
ربّما من غير المرجّح أن يستمرّ تهاوي الاقتصاد بالوتيرة نفسها خلال بقية السنة، إلا أن ثمة علامة استفهام كبيرة متصلة بتأثيرات انتشار «كوفيد - 19» على الأعمال والاستثمار في الولايات المتحدة. وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن وزارة العمل الأميركية، فإن الاتجاه الإيجابي للمؤشر الاقتصادي قد انقطع، وخلال الأسبوعين الأخيرين تزايدت بشكل ملحوظ أعداد الأميركيين المطالبين بتعويض عن البطالة.
المفارقة أن الصين كانت تحقّق صعوداً بالتزامن مع الهبوط الاقتصادي الأميركي


ويحذّر كثير من الخبراء، اليوم، من أن عملية إعادة تأهيل الاقتصاد تجري بشكل أسوأ من المتوقّع. ويقول بن هرزون، كبير الاقتصاديين في شركة «آي أتش أس ماركت» العالمية للاستشارات، في تصريح إلى صحيفة «لوس أنجلس تايمز»، إنه «على الرغم من أن أشياء قد تحسّنت كثيراً، وأخذتنا إلى حيث نحن الآن، فلا يبدو أنها ستتحسّن أكثر من ذلك».
ما بين نيسان / أبريل وحزيران / يونيو، انخفض الاستهلاك الخاص - الذي هو محرّك الاقتصاد الأميركي - بنسبة 34,6 في المئة. وهو مؤشّر تضاف إليه دلائل كثيرة على أن الانتعاش قد تباطأ، وذلك عندما اهتزّت ولايات عدّة، وخصوصاً في الغرب والجنوب، بموجة جديدة من الوباء في أواخر حزيران / يونيو، وطوال تموز / يوليو. وفي السياق، قال مدير البنك المركزي الأميركي، جيروم باول، أخيراً، إنه يبدو وكأنّ الأميركيين يستخدمون بطاقات الائتمان بشكل أقلّ، كما أن زياراتهم إلى المطاعم ومحطّات البنزين وصالونات التجميل قد قلّت بالمقارنة مع أوائل الصيف. «بشكل عام، تشير الأرقام إلى تباطؤ التعافي»، بحسب باول.
على أن تضرّر الولايات المتحدة بشدة من الهبوط الاقتصادي لا يعني أن الصدمة قد أصابت جميع الأميركيين بالدرجة نفسها. وفقاً لبيث آن بوفينو، كبيرة الاقتصاديين في وكالة «ستاندارد آند بورز» العالمية، فإن «كثيرين يجدون أنفسهم في أوضاع أسوأ بكثير من غيرهم»، كما قالت بوفينو في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست». وفي الفترة ما بين آذار / مارس وحزيران / يونيو، زادت ثروات أغنى خمسة مليارديرات في أميركا (جيف بيزوس، بيل غيتس، مارك زوكربيرغ، وارنر بوفيت، لاري أليسون) بمقدار 101,7 مليار دولار؛ فيما في الفترة نفسها فقد حوالى 50 مليون أميركي أعمالهم.