لم يكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب يطرح فكرة تأجيل الانتخابات، حتّى قابلته الانتقادات من كلّ حدب وصوب، كان أولها من قبل أعضاء الحزب الجمهوري، الذين أعربوا عن رفضهم التام لمجرّد التلميح إلى الأمر. وبعد بضع دقائق من الإعلان عن انخفاض تاريخي في الناتج المحلّي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثاني بنسبة 32,9%، كتب ترامب تغريدته التي يثير فيها مثل هذا الاحتمال. ويأتي ذلك، أيضاً، بينما تجاوزت الولايات المتحدة عتبة 153 ألف وفاة بوباء «كوفيد ـــــــ 19»، وفي وقت يفيد فيه متوسط استطلاعات الرأي الوطنية، الذي وضعه موقع «ريل كلير بوليتيكس»، بتقدّم جو بايدن منذ أكثر من ستة أسابيع على دونالد ترامب بثمانٍ إلى 10 نقاط مئوية. وما يمكن أن يثير مخاوف ترامب بشكل أكبر، هو أنه منذ عام 1980، فاز جميع المرشحين الذين حظوا بمثل هذا الفارق الكبير في مثل هذه المرحلة، باستثناء واحد هو الديموقراطي مايكل دوكاكيس، الذي هزمه جورج بوش في عام 1988.وسأل ترامب في تغريدته عن إمكانية «تأجيل الانتخابات إلى أن يتمكّن الناس من التصويت بشكل مناسب وبسلام وأمان؟». وأضاف: «بالتصويت العام عبر البريد ستكون 2020 الانتخابات الأقل دقة والأكثر تزويراً في التاريخ. ستشكل إحراجاً كبيراً للولايات المتحدة».

من يملك صلاحيات التأجيل؟
ولكن بموجب دستور الولايات المتحدة، لا يملك الرئيس سلطة بتّ تأجيل الانتخابات الرئاسية. وبما أنّ موعدها محدّد بموجب قانون فدرالي (3 تشرين الثاني/نوفمبر)، لا يمكن إلا للكونغرس وحده اتخاذ مبادرة في هذا الصدد. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن خبراء دستوريين قولهم إنّ أي تغيير للموعد من جانب الكونغرس لتأجيل الانتخابات حتى عام 2021، سيتطلّب أيضاً إجراء تعديل دستوري. فقد حدد الكونغرس الأميركي، عام 1845، بشكل واضح وجلي، أنّ الرئيس يتم انتخابه كل أربع سنوات، يوم الثلاثاء الذي يلي أول يوم اثنين من شهر نوفمبر/ تشرين الأول. وبينما يذهب البعض إلى الإشارة إلى إمكانية إعلان «حالة الطوارئ»، يشير الخبراء الدستوريون إلى أن هناك قواعد خاصة لذلك. فحتّى في تلك الحالة، لن يتمكّن ترامب من تغيير قانون الانتخابات بمفرده، ذلك أنّ لوائح الطوارئ تعالج في معظمها كيفية قيام الرئيس بتوزيع الأموال والمساعدات. ولتأجيل الانتخابات، سيكون في حاجة إلى موافقة الكونغرس، حتى في ظل أقصى ظروف الطوارئ.

الجمهوريون أوّل الرافضين
وبينما عاد البيت الأبيض وأعلن، أمس، على لسان كبير موظفيه مارك ميدوز، أنّ الانتخابات ستجري في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن مجرّد ذِكر ترامب لفرضية تأجيلها، قد يسهم في إثارة الشكوك حول شرعيتها ضمن قاعدته الانتخابية، ولا سيما أنه كان قد سُئل، قبل عشرة أيام، عمّا إذا كان سيقبل بنتائج الانتخابات، فتهرّب من الإجابة، قائلاً ببساطة: «سوف أرى». وترغب ولايات أميركية عديدة في تيسير التصويت عن طريق البريد من أجل الحد من انتشار الوباء قدر الإمكان. وقد سمح الكثير منها بنظام التصويت هذا لسنوات، ولم تبلّغ أي دراسة جادة حتى الآن عن أي مشكلات رئيسية، باستثناء عدد قليل من الحوادث المعزولة. ولكن منذ عدة أسابيع، يلوّح دونالد ترامب، الذي تبدو استطلاعات الرأي غير مواتية له، بشبح تزوير كبير. وقد دفعت تعليقاته حول هذا الموضوع موقع «تويتر» إلى تصنيف إحدى تغريداته لأول مرة على أنها مضلّلة في نهاية أيار/مايو.
تفيد استطلاعات الرأي بتقدّم بايدن على ترامب بثماني نقاط مئوية إلى 10 نقاط


ويأتي إعلان البيت الأبيض في سبيل تبديد أي توتّر بين الرئيس والجمهوريين، ولا سيما أنه لم يكد ترامب ينشر تغريدته الأخيرة، التي تضمّنت اقتراحه تأجيل الانتخابات، حتّى اصطدم باعتراض كامل من قبل سياسيين جمهوريين بارزين. ورفض الفكرة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، وزعيم الأقلية في مجلس النواب، كيفين مكارثي. وشدّد ماكونيل على أنه لم يحدث من قبل تأجيل انتخابات رئاسية أميركية. وفي حديث إلى محطة كنتاكي المحلية، قال: «سنحرص على أن تكون هكذا هي الحال من جديد في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني». وقد تردّد ذلك على لسان مكارثي، الذي قال: «لم يسبق لنا على الإطلاق في تاريخ الانتخابات الفدرالية تأجيلها، علينا أن نمضي قدماً في انتخاباتنا». بدوره، رأى السيناتور لينزي غراهام، حليف ترامب، أنّ التأجيل «ليس فكرة جيدة».
من جهتها، أكّدت رئيسة لجنة الانتخابات الفدرالية الأميركية، إلين وينتراوب، أنّ ترامب لا يملك سلطة تغيير موعد الانتخابات. وأضافت: «ولا ينبغي تغيير موعدها»، داعية إلى تعزيز تمويل الولايات حتى تتمكّن من إدارة «الانتخابات بطريقة آمنة يريدها جميع الأميركيين».
وهبّ الديموقراطيون أيضاً لرفض مقترح ترامب، فقالت النائبة زوي لوفغرين إن الموعد لن يتغيّر كي يناسب ترامب. وأضافت في بيان: «لن نفكّر في عمل ذلك تحت أي ظرف من الظروف للتكيّف مع رد فعل الرئيس غير المناسب والعشوائي على جائحة كورونا، أو إعطاء مصداقية للأكاذيب والمعلومات الخاطئة التي ينشرها عن الطريقة التي يمكن بها للأميركيين الإدلاء بأصواتهم بأمان».