يبدو أن «العصر الذهبي» الذي وعد به وزير الماليّة السابق في المملكة المتحدة، جورج أوسبورن، للعلاقات الصينية ــ البريطانية، خلال زيارة لبكين عام 2015، ولّى. فالمملكة، التي استقبلت أمس ضيفاً أميركياً «عزيزاً» قَطَع مسافة طويلة ليدعو من لندن إلى تشكيل تحالف عالمي لمواجهة بكين وفهم خطر «الحزب الشيوعي»، تبدو عازمة على المضيّ قُدُماً في تطبيق الوصفة الأميركية، بل لوّحت بسلاح العقوبات على خلفية «القانون الأمني» في هونغ كونغ، الذي عدّته «انتهاكاً» لشروط المعاهدة الصينية ـــ البريطانية 1997 التي رافقت إعادة المستعمرة السابقة إلى بكين. تلويحٌ من شأنه زيادة الضغط على العلاقات الثنائيّة التي تشهد توتّراً غير مسبوق، زاد حدّته انتقاد بريطانيا كيفية تعامل الصين مع أقلية الإيغور، وقرارها استبعاد مجموعة «هواوي» الصينية من تطوير شبكتها للجيل الخامس.زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ولقاؤه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، جاءت في وقت تتوتّر فيه علاقة الأخير مع بكين، وتتماهى سياسته الى حدّ التطابق مع سياسة واشنطن المعادية لها، بما يشبه الخضوع الكلّي لرغبات الإدارة الأميركية. وليس تغيير موقفه نهائياً من «هواوي» واستبعادها إلا دليلاً على الاتّجاه الذي تسلكه بلاده. من العاصمة البريطانية، دعا الوزير الأميركي إلى تشكيل ائتلاف عالمي لمواجهة الصين، من أجل «إقناع الحزب الشيوعي الصيني بأن مواصلة هذا السلوك ليست في مصلحته». كذلك دعا «الدول الملتزمة الحرية والديموقراطية... إلى فهم الخطر الذي يشكّله الحزب». وفي تصريحات عالية النبرة، وصف بومبيو بكين بأنها «معتدية»، وبأن لها مطالب سيادة «غير مشروعة» في بحر الصين الجنوبي، وبأنها تمارس «البلطجة» على دول في منطقة الهيمالايا، فضلاً عن أنها «أخفت» تفشّي فيروس كورونا واستغلّته بطريقة «مخزية». كما أثنى على قرار جونسون منع «هواوي» من العمل في شبكات الجيل الخامس، قائلاً إنه «القرار الصائب»، لأن «البيانات كان من الممكن أن تصل إلى الحزب الشيوعي الصيني في نهاية المطاف».
تتماهى سياسة لندن إلى حدّ التطابق مع سياسة واشنطن المعادية للصين


بالتوازي، استهلّت لندن إجراءاتها التصعيدية بإعلانها تسهيل منح الجنسية البريطانية لنحو ثلاثة ملايين من سكّان هونغ كونغ، رداً على «القانون الأمني القومي» الصيني الذي فرضته بكين على الإقليم الشهر الماضي. لكن بريطانيا صعّدت بقرارها تعليق اتفاق تبادل المطلوبين مع مستعمرتها السابقة، وتوسيع حظر الأسلحة المفروض على الصين منذ 1989 ليشمل هونغ كونغ، على أساس أن بكين تنتهك شروط المعاهدة الصينية ـــ البريطانية. تصعيدٌ قابلته الصين بالتهديد بـ«عواقب»، ولا سيّما أن أمامها مجموعة أهداف محتملة للردّ، مثل إغلاق حدودها أمام السلع البريطانية كما فعلت مع سمك السلمون النروجي لمعاقبة أوسلو على منح المنشق الصيني ليو شياوبو جائزة «نوبل للسلام». يذكر أن مجموع الصادرات البريطانية إلى الصين بلغ العام الماضي 33,9 مليار يورو، وهو رقم قياسي يرتفع بانتظام منذ أربع سنوات، وفقاً لمكتب الإحصاء في بريطانيا، كما أن بكين تُعدُّ ثالث زبون للندن بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
في مقالة نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز» أمس، رأت المديرة العامة لاتحاد الصناعات البريطانية، كارولين فيربيرن، أن الوقت غير مواتٍ لبريطانيا «لقطع الجسور مع الصين»، الشريك التجاري الأساسي الذي يؤمّن كثيراً من الوظائف في البلاد. فالذهب والمنتجات النفطية والسيارات والأدوية كانت السلع البريطانية الأكثر شراءً لدى الصين في 2019، إذ مثّلت هذه القطاعات الأربعة 66% من صادراتها، وفقاً لمصلحة الضرائب والجمارك البريطانية. وفي قطاع الخدمات، كانت الأنشطة المحاسبية والقانونية والاستشارية والسياحية والنقل الأكثر طلباً مِن الصين في 2018، تاريخ توافر آخر الأرقام (حقّقت هذه الأنشطة أرباحاً لبريطانيا بقيمة 3,1 مليارات يورو). وهناك مجموعات كبرى تعتمد على السوق الصينية، وينطبق ذلك على «استرا زينيكا» للأدوية التي تحقّق 20% من أعمالها في الصين، ثاني سوق لها بعد الولايات المتحدة. كما تؤمّن السوق الصينية 20% من مبيعات سيارات «جاغوار» و«لاند روفر».