«لا يمكنني تقديم نظرية شاملة عن التحوّل في إدارة ترامب، لأن ذلك ليس ممكناً». الحقيقة، الجذابة للكسل الفكري، كما يقول بولتون، هي أن ترامب كان دائماً غريباً، ولكن في الأشهر الـ15 الأولى من تبوئه منصبه، لم يكن مدركاً لوضعه الجديد، وكان خاضعاً لفحصٍ مِن قبل «محور البالغين»، ومتردداً في العمل. مع مرور الوقت، ستملأ الثقة ترامب، وسيغادر المحور المذكور، وستنهار الأشياء من حوله، بحيث يصبح محاطاً بمَن يوافقونه الرأي ويقولون: «نعم سيدي».ولأنّ «محور البالغين» خدم بشكل «سيئ جداً»، شكّك الرئيس بدوافع الناس، وظلّ جاهلاً في كيفية إدارة البيت الأبيض، ناهيك عن الحكومة الفدرالية. لم يكن «المحور» وحده المسؤول عما جرى. فترامب هو ترامب. توصّل بولتون إلى خلاصة تقول إن ترامب يعتقد بأن في مقدوره أن يدير الفرع التنفيذي، وأن يضع سياسات للأمن القومي معتمداً على غريزته، وعلى علاقاته الشخصية مع القادة الأجانب، وعلى مهاراته الاستعراضية المصمَّمة للتلفزيون.
كانت التهديدات كثيرة كما الفرص، لكن ثماني سنوات من عهد باراك أوباما عَنَت أن هناك الكثير لإصلاحه، والتعبير لبولتون، الذي يقول إنه «فكّر طويلاً وعميقاً في شأن الأمن القومي لأميركا في عالم مضطرب: روسيا والصين على المستوى الاستراتيجي. إيران وكوريا الشمالية وغيرهما من الدول المارقة الطامحة لحيازة أسلحة نووية؛ التهديدات الدائرية للإرهاب الإسلامي الراديكالي في الشرق الأوسط المضطرب (سوريا ولبنان والعراق واليمن) وأفغانستان وما وراءها، فضلاً عن التهديدات في محيطنا، مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا. وفي حين يعتبر المستشار أن تسميات السياسة الخارجية غير مفيدة إلا لأصحاب «الكسل الفكري»، فهو يفضّل أن يسمّي سياسته بـ«المؤيدة لأميركا»، وليس «أميركا أولاً».
باكراً، طلب بولتون من كبار مسؤولي حملة ترامب، أمثال ستيف بانون وديف بوسي وكيلي آن كونواي، الانضمام إلى الإدارة الجديدة: «... أن أطرح نفسي وزيراً للخارجية». يقول: «لا أعتقد حقاً بأن مظهري (الشاربين) لعب دوراً في عدم اختياري بدايةً، وإن فعل، فليكن الله في عون هذه البلاد».
الولاء كان الشرط الرئيس! في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، تلقّى بولتون اتصالاً من الرئيس المُنتخب: «سنستقبلكم هنا في اليومين المقبلين»، وعد ترامب… في اليوم التالي، اختير جيف سيشنز لمنصب المدعي العام، ومايك فلين لمنصب مستشار الأمن القومي، ومايك بومبيو مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية. جاريد كوشنر، مستشار الرئيس وصهره، والذي تعرّف إليه بولتون عن طريق بول مانافورت، «اتصل بي في عيد الشكر، وأكّد لي أن اسمي لا يزال مطروحاً لتولّي الخارجية... دونالد من أشدّ المعجبين بك». يقول بولتون إنه كان ممتناً للدعم الكبير الذي حظي به بين الأميركيين الموالين لإسرائيل (اليهود والإنجيليين على السواء)، وأنصار التعديل الثاني، والأميركيين من أصول كوبية وفنزويلية وتايوانية، والمحافظين بشكل عام.
في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، دعي بولتون إلى اجتماع مع نائب الرئيس المنتخب، مايك بنس، في واشنطن: «تحدّثنا بسهولة عن مجموعة من قضايا السياسة الخارجية والدفاعية، لكنّي ذُهلت حين قال لي إن منصب الخارجية لم يُحسم بعد». في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، اختير جيمس ماتيس وزيراً للدفاع، إلا أن حالة الجمود استمرّت في ما يخصّ المنصب الذي يطمح إليه بولتون. وفي اليوم التالي، «وصلت إلى برج ترامب لإجراء مقابلتي وانتظرت في الردهة مع آخرَين». في الداخل، كان وزير الدفاع السابق روبرت غيتس. كان هناك، كما يعتقد بولتون (وهذا تحليل لا يستند إلى دليل)، يحاول إقناع ترامب بتوزير ريكس تيلرسون في الخارجية أو الطاقة. وفي مكتب ترامب، استمر النقاش لأكثر من ساعة بحضور رينس بريبوس (الذي سيصبح قريباً كبير موظّفي البيت الأبيض) وبانون (كبير المحللين الاستراتيجيين في الإدارة)، عن النقاط الساخنة في العالم والتهديدات الاستراتيجية الأوسع مثل روسيا والصين والإرهاب وانتشار الأسلحة النووية. قال ترامب لبولتون: «الآن، نحن نناقش منصب وزير الخارجية، ولكن هل تفكر في وظيفة نائب الوزير؟». أوضح بولتون أن الدولة لا يمكن أن تُدار بنجاح مِن هذا المستوى. مع انتهاء الاجتماع، أمسك ترامب بيديه وقال، «أنا متأكد من أنّنا سنعمل معاً». في اليوم التالي، عُلم أن ترامب سيجري مقابلة مع تيلرسون من أجل المنصب، وهو ما يفسر سؤال بريبوس وبانون عن ترشيح بولتون لمنصب نائب الوزير. ثم، وبعد أقلّ من شهر على الإدارة، دمّر مايك فلين نفسه ذاتياً، واستقال يوم 13 شباط/ فبراير، لتبدأ مرحلة الارتباك والاضطراب.
مع ذلك، لم تتوقّف زيارات بولتون إلى منتجع ترامب في فلوريدا أو البيت الأبيض للقاء الرئيس. ومع أن الرئيس أرسل لمقابلة «المستشار» من أجل منصب لن يكون بعد من نصيبه، وقع الاختيار على الجنرال هربرت ماكماستر لتولّي مستشار الأمن القومي. وانتهت المقابلة بنقاش عن روسيا. قال ترامب لبولتون إنه سمعه يتحدّث عن معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، وشرح لماذا كانت غير عادلة، مكررّاً بالضبط ما قاله بولتون في إحدى مقابلاته التلفزيونية: «لم يكن لديّ شكّ في أن ترامب كان لا يزال يشاهد فوكس نيوز». فاقترح أن يطلب الرئيس مِن بوتين الامتثال إلى المعاهدة، أو أن أميركا ستنسحب.
لاحقاً في 23 آذار/ مارس، كان هناك لقاء جديد في البيت الأبيض. تمحور حول إيران وكوريا الشمالية. وفق ما يوثّق بولتون، قال ترامب: «تعرف أنك أنت وأنا نتفق على كل شيء تقريباً، باستثناء العراق»، وأجابه: «حتى هناك، نتفق على أن انسحاب أوباما في 2011، خلّف الفوضى التي نحن فيها الآن». لم يمض وقت ليعاود بانون وبريبوس التواصل مع بولتون.
كان همّه إقناع الرئيس بالانسحاب من الاتفاق النووي. وفي زيارته إلى إسرائيل في أيار/ مايو 2017، التقى بولتون برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: «شكّل تهديد إيران محور اهتمامنا»، لكن «بيبي» أبدى ارتيابه لإيكال مهمّة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لكوشنر، صديق عائلة نتنياهو لسنوات عديدة. تساءل: «لماذا كوشنر؟ وكيف ينجح حيث فشل أمثال كيسنجر». وكشف كيف أن ترامب أبدى استعداده لدعم هجوم إسرائيلي على إيران: «لقد حذّرت الرئيس من عدم إضاعة قوته السياسية في محاولة لحل الأزمة المراوغة بين إسرائيل والعالم العربي... حذرته أيضاً من عدم نقل السفارة الأميركية إلى القدس». بولتون لم يذكر استخدام القوّة مِن جانب إسرائيل، لكنه أشار إلى أن الرئيس تطرّق إلى هذه الامكانية خلال اللقاء، قائلاً إنه سيدعم الموضوع إذا قرر نتنياهو ذلك.