دفعت حكومة بوريس جونسون أول ضريبة سياسية، في إطار تداعيات فيروس «كورونا» المستجد، باستقالة وزيرٍ فيها على خلفية تشكيكه في تبريرات مستشار رئيس الحكومة دومينيك كامينغز، الذي خرق تدابير العزل المفروضة في البلاد، التي تسجّل أعلى معدّل وفيات بـ«كوفيد ـــ 19» في أوروبا، وثاني أعلى معدّل إصابات بين دول القارة. وبحسب آخر حصيلة أعلنتها الحكومة، سُجّلت على الأراضي البريطانية أكثر من 37 ألف وفاة لأشخاص تأكّدت إصابتهم بـ«كوفيد ـــــ 19»، علماً بأنّ هذا الرقم قد يرتفع إلى أكثر من 41 ألفاً، لوجود وفيات يشتبه في أنها ناجمة عن الوباء. ويواجه رئيس الوزراء البريطاني، الذي يتعرّض لانتقادات لإدارته أزمة الوباء، صعوبات في طيّ صفحة القضية التي تسبّب بها مستشاره النافذ والمثير للجدل. وتُوجّه إلى كامينغز انتقادات أخرى، لزيارة قام بها إلى محيط قصر بارنارد الذي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى، على بعد حوالى أربعين كيلومتراً من منزل والديه، يوم عيد ميلاد زوجته، خلال شهر آذار / مارس الماضي، وذلك بالرغم من الاشتباه في إصابته بفيروس «كورونا». وأكد المستشار أنّ هذه الجولة بالسيارة كان يُفترض أن تتيح له التحقّق من أن بإمكانه القيادة بسلامة، إذ أن نظره كان متأثراً بالفيروس.
ورغم محاولة الحكومة مساعدة المستشار، إلّا أنّ العاصفة السياسية لم تهدأ بما في ذلك في صفوف «المحافظين»، حيث يطالب حوالى 15 نائباً باستقالة كامينغز. واعتبر مايكل هيسلتين من حزب «المحافظين»، أنّ «افتقار» كامينغز إلى «الصدقية» في روايته للوقائع «يضرّ بالحكومة وسياستها»، متسائلاً عن مدى تأثير المستشار «الذي لا يحاسبه نظرياً إلّا رئيس الوزراء، ولكن يبدو أن سلطته تتنامى».
أما آخر التداعيات، فقد تمثّلت في استقالة وزير الدولة لشؤون أسكتلندا دوغلاس روس، الذي كتب في تغريدة على موقع «تويتر»: «ثمّة سكان من دائرتي لم يتمكّنوا من وداع أقربائهم، عائلات لم تتمكّن من أن تشارك الحزن (على وفاة قريب)، أناسٌ لم يتمكّنوا من زيارة أقربائهم المرضى لأنهم كانوا يتبعون توصيات الحكومة». وأضاف: «لا يمكنني بنية طيبة أن أقول لهم إنهم كانوا جميعاً مخطئين، وإن مستشاراً للحكومة كان على حقّ».
وتأتي استقالة روس، غداة عقد كامينغز مؤتمراً صحافياً لم يتخلّله أيّ اعتذار ولم يعرب فيه عن أيّ شعور بالندم، بل أكد فيه أنه تصرّف بشكل «قانوني ومنطقي» عندما اجتاز، رغم إجراءات الإغلاق، 400 كيلومتر ليقصد والديه في دورهام شمال شرق لندن، برفقة زوجته وابنهما، لأنه كان يبحث عن حلّ لحراسة طفله. وكان كامينغز، العقل المدبّر لحملة استفتاء عام 2016 الذي قاد إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يخشى أن يكون مصاباً بـ«كوفيد ــــ 19» عندما خرق تدابير العزل.
أعلن جونسون الأحد أنّ المدارس الابتدائية البريطانية ستعيد فتح أبوابها جزئياً


في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي نشره معهد «يوغوف»، أنّ 59 في المئة ممّن شملهم يؤيّدون استقالة كامينغز. ولكنّ ذلك لم يمنع جونسون من الدفاع عن مستشاره المقرّب، مرّتين أمام الصحافة، مُعرباً عن أسفه لـ«الإرباك» و«الغضب» اللذين أثارتهما القضية.
واحتلّت قضية مستشار جونسون الصفحات الأولى في الصحف التي وضعت في المرتبة الثانية إعلان الحكومة بشأن إعادة فتح المحال التجارية «غير الأساسية»، في منتصف حزيران/يونيو، وهو إجراء رئيسي ضمن إطار تخفيف العزل المفروض منذ نهاية آذار/مارس للحدّ من تفشي الوباء.
كذلك، من المحتمل أن تجد المسألة طريقها إلى القضاء، وفق جريدتي «ذي غارديان» و«دايلي ميرور»، اللتين كشفتا القصة مساء الجمعة. ووفق الصحيفتين، أكّد رجل متقاعد أنه رأى دومينيك كامينغز، يوم 12 نيسان / أبريل، في منقطة تبعد 50 كلم عن دورهام، وقدم شكوى في حقه لاحتمال خرقه تدابير الحجر. كذلك، أكّدت الجريدتان أنّ كامينغز شوهد في دورهام، يوم 19 نيسان / أبريل، عقب خمسة أيام من عودته إلى لندن لاستئناف عمله بعد تعافيه. لكن، قال بوريس جونسون إن عدداً من المزاعم المنشورة في الصحافة «زائفة بشكل صارخ»، من دون أن يخوض في تفاصيلها.
تأتي هذه التطوّرات فيما باشرت الحكومة البريطانية بتخفيف إجراءات العزل، إذ أعلن جونسون، الأحد، أنّ المدارس الابتدائية البريطانية ستعيد فتح أبوابها جزئياً ابتداءً من أول حزيران / يونيو. وقال في مؤتمر صحافي، إنّ العودة إلى مقاعد الدراسة ستقتصر في المرحلة الأولى على التلامذة الذين تراوح أعمارهم بين أربع وست سنوات وبين عشر سنوات و11 سنة. وأوضح أن طلّاب الصفوف الثانوية سيعودون لاحقاً للتحضير للامتحانات ابتداءً من 15 حزيران / يونيو.
وتثير مسألة إعادة فتح المدارس جدلاً في البلاد، ولا سيما أن نقابات المعلّمين طالبت الحكومة، الأسبوع الماضي، بإعادة النظر في هذا القرار، نظراً إلى استمرار المخاوف الصحية. كذلك، استبعدت سلطات محلية عدّة في إنكلترا إعادة فتح المدارس في أول حزيران / يونيو، علماً بأنّ اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية قرّرت إبقاء المدارس مغلقة الشهر المقبل. وفي حين لم تحدّد ويلز موعداً لإعادة فتح المدارس، ستُستأنف جزئياً الحصص الدراسية في المؤسسات التعليمية في اسكتلندا ابتداءً من 11 آب/أغسطس. أما في إيرلندا الشمالية، فلن يعود التلامذة إلى مقاعد الدراسة قبل أيلول/سبتمبر.