دخل الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، على خط تأليف الحكومة، فانتقل إلى ممارسة الضغوط المباشرة على كلّ من بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، عبر استخدام صلاحياته بتوجيه إنذار إليهما مفاده أنه في حال لم يتفقا على تأليف حكومة وحدة، سينقل عملية التكليف إلى الكنيست، ما يعني فرصة 21 يوماً لتكليف عضو كنيست تأليفَ الحكومة، أو الذهاب نحو انتخابات رابعة. يهدف ريفلين بهذا الموقف إلى توجيه أكثر من رسالة تتصل بالطرفين، واختصار المناورات السياسية والقفز فوراً إلى جولة النهاية.مع أنه بإمكان ريفلين تمديد تفويض غانتس 14 يوماً، كما يسمح له القانون، خاصة أن الأخير طلب ذلك، لكن لم يكن لهذه الخطوة أيّ معنى، نتيجة غياب أيّ أفق لتشكيل حكومة برئاسة زعيم تحالف «أزرق أبيض». بل في أحسن الأحوال، كان هذا يعني استمرار الاستنزاف مع تواصل مناورات غانتس ونتنياهو، وهو ما أُشير إليه في بيان الرئيس: «الظروف الحالية لا تسمح بتمديد مهمة تشكيل الحكومة»، مشدّداً على أن الإنذار يأتي في أعقاب تواصله مع نتنياهو الذي «لم يؤكد أن الاثنين يقتربان من توقيع اتفاق يقود إلى حكومة وحدة». كما أن الخيارات انحصرت في المرحلة الحالية بين تأليف حكومة برئاسة نتنياهو (حول ذلك يوجد أكثر من سيناريو نظري من ضمنه التناوب على رئاستها مع غانتس)، وبين التدحرج نحو انتخابات مبكرة. وفي ما يتعلق بحظوظ غانتس في تأليف حكومة من دون اليمين، تبدّد هذا السيناريو أخيراً بعدما تعذّر تشكيل حكومة تستند إلى أصوات «القائمة (العربية) المشتركة».
في المقابل، ومع انتهاء المدة المحدَّدة للتأليف، كانت الأنظار موجهة نحو موقف الرئيس حول تمديد مهلة غانتس، أو إلقاء التكليف على نتنياهو المتهم رسمياً بالفساد، في الوقت الذي لم يوص فيه 61 عضو كنيست بالأخير، الأمر الذي منحه هامشاً من المناورة. لكن ريفلين قام بعملية التفاف وأعلن أنه في حال لم يتم الاتفاق، سيلقي المَهمة على الكنيست. ويُشار إلى أن «المحكمة العليا» امتنعت مجدداً عن تحديد موقفها من تكليف نتنياهو، قائلة إن المسألة «نظرية» حتى هذه المرحلة، إذ لم تُتخذ أيّ خطوات عملية إذا لم ينقل ريفلين التفويض إلى نتنياهو، وهو ما سبق أن أوضحته في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
توقّفت المفاوضات بعدما تخوّف نتنياهو من قرار لـ«العليا» يمنعه الرئاسة


في المقابل، رفض «الليكود» وكتلة اليمين موقف ريفلين، وطالباه بتكليف نتنياهو، مستندين إلى أن الأخير هو رئيس أكبر حزب ومدعوم من 59 عضو كنيست، بعد انضمام رئيسة حزب «غيشر»، أورلي ليفي، التي انشقّت عن تكتلها مع «العمل» و«ميرتس». كما دعوا الرئيس الإسرائيلي إلى أن يتصرف مثلما فعل بعد انتخابات أيلول/سبتمبر الماضي، عندما كلّف غانتس في أعقاب فشل نتنياهو، وحينذاك كان قد أوصى بتفويضه 54 عضواً، فيما الآن يوصي بنتنياهو 59. لكن ريفلين قفز فوق المدد واختصر 42 يوماً (تمديد غانتس 14 وتفويض من سيليه 28) من الواضح أنها ستنقضي بمزيد من المناورات قبل أن تصل إلى إلقاء المهمة على الكنيست كما حدث سابقاً. كذلك يبدو أنه هَدَفَ إلى ممارسة نوع من الضغوط على الطرفين للتوصل إلى اتفاق أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة للمرة الرابعة، جراء ضغوط وباء كورونا.
من المرجّح أن يساهم ذلك في دفع الطرفين إلى تسريع عمليات التفاوض التي انتهت، وفق تقارير إعلامية، إلى توقفها على خلفية مخاوف نتنياهو من أن يصدر قرار من «العليا» يمنعه من ترؤّس الحكومة نتيجة اتهامه بالفساد، وهو ما دفعه إلى المطالبة بأن يلتزم الطرفان سنّ قانون يلتفّ على قرار المحكمة ويسمح له بتولي رئاسة الحكومة، وهو ما يرفضه «أزرق أبيض» حتى الآن، كونه يمثل تجاوزاً للقضاء. وفي ما يتعلق بالخلاف السابق حول تركيبة لجنة تعيين القضاة، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن هذا الخلاف لم يعد قائماً، إنما بات محصوراً حول تعديل القانون الذي يضمن عدم تأليف حكومة إلا مع ما يؤكد السماح لنتنياهو بترؤّسها.
في ضوء ما تقدم، صار السؤال الذي يشغل بال المراقبين في تل أبيب: هل عزم نتنياهو على الدفع عمداً نحو انتخابات رابعة للحصول على غالبية 61 عضو كنيست لمصلحة معسكر اليمين، بما يسمح له بسنّ القوانين التي يريد، أو هو يناور لتحسين شروط الاتفاق على الحكومة المقبلة وضمان ترؤّسه لها. تنقل «هآرتس» عن مقرّبين من الأخير تقديرهم أنه يريد التوصل إلى اتفاق، وأنه يفضل اتفاقاً مع غانتس على تشكيل حكومة يمينية ضيقة يكون تحالف «يمينا»، برئاسة نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، شركاء مركزيين فيها. حول ذلك، توجد عوامل ترجّح سيناريو التأليف، ليس «كورونا» واستنفاد الطرفين رهاناتهما الانتخابية والسياسية فحسب، وإنما أنهما قطعا أشواطاً في التقارب، وأن غانتس حطّم قوارب العودة في أعقاب تفكّك «أزرق أبيض». مع ذلك، تبقى هناك مساحة خارج المعطيات السياسية تتصل بموقف «المحكمة العليا»، الذي ستكون له كلمة الفصل في فتح الطريق أمام تأليف حكومة برئاسة زعيم متهم بالفساد، أو أنها ستقلب الطاولة على الجميع.