مارك كانسيان**، براندون شوارتز
ترجمة وليد شرارة

خبراء الاستراتيجية البحرية يجهدون لبلورة خطط للتصدّي لصعود القوة البحرية الصينية. قد يكون السبيل الأسهل لذلك هو المطالبة بصناعة المزيد من السفن وحاملات الطائرات، لكن هذه الاستراتيجية غير واقعية مع بلوغ الإنفاق العسكري حدّه الأقصى المتاح. اللجوء إلى شركات الأمن الخاص في هذا السياق، بعد تفويضها رسمياً، يتيح أداة ردع محدودة الكلفة في زمن السلم، وللتفوّق في الحرب. فهي قادرة على استهداف نقطة ضعف «لا متوازية» للصين، أي أسطولها التجاري الذي يفوق حجمه ذلك الأميركي. الواقع أن مثل هذا الاستهداف للتجارة الخارجية الصينية سيُضعف اقتصادها ويهدد استقرار نظامها السياسي. وبعكس الاعتقاد الشائع، لا يتناقض تكليف شركات خاصة بهذه المهمة مع القوانين الأميركية أو الدولية.

ما هي رسائل التفويض؟
اللجوء إلى شركات الأمن الخاص ليس قرصنة، فهناك قواعد وعمولات تتضمّنها رسائل التفويض التي تقوم بموجبها الحكومة بتكليف مدنيين الاستيلاء على سفن العدو أو تدميرها. الدستور الأميركي (الفقرة 11 من القسم 8 من البند 1) يمنح الكونغرس صلاحية إصدار هذه الرسائل. السفن والبضائع المستولى عليها تُسمى مغانم وقانون المغانم محدّد في القانون الأميركي. ففي الولايات المتحدة، يُفصل في المطالبات بالمغانم لدى محاكم الولايات، مع دفع العائدات إلى الشركات المفوّضة. يستطيع الكونغرس أن يقرّر سياسة تتضمّن مثلاً تحديد قائمة أهداف للشركات المفوّضة، وكذلك الإجراءات والشروط الملزمة لها، ثم تأذن للرئيس بالإشراف على منظومة الخصخصة المذكورة. يمكن للكونغرس أيضاً أن يعوّض الشركات المفوّضة عن بعض الأكلاف وأن يحدّ من إمكانية انتهاك القانون الدولي أو إساءة استعماله عن طريق إصدار سندات ضمان وقواعد مستحدثة بشأن السلوك.
من الممكن إصدار رسائل التفويض للشركات الخاصة المستعدة بسرعة، خلال أسابيع بعد اندلاع نزاع، بينما يتطلّب بناء سفينة حربية واحدة للقوات البحرية أربع سنوات. خلال الثورة الأميركية وحرب 1812 كان عدد سفن الشركات الخاصة المفوّضة أكبر بكثير من سفن البحرية الأميركية، لدرجة أن مسؤولاً أميركياً رأى أن الأولى هي «بحريتنا الأفضل والأقلّ كلفة». تمكّنت الشركات الخاصة المفوّضة من عرقلة التجارة الخارجية البريطانية، لدرجة أن الرسميين البريطانيين اشتكوا من العجز عن ضمان أمن التجارة المدنية. تفويض الشركات الخاصة كان في زمن سابق طريقة مقبولة على المستوى الدولي لإشراك القطاع الخاص في الحرب لكنه أضحى اليوم خارجاً عن الأعراف.

قوة بحرية صينية صاعدة
نموّ القوة العسكرية الصينية أُشبع بحثاً، غير أن بضع وقائع مرتبطة به توضح ضرورة أن تتضمّن الاستراتيجية البحرية الأميركية لجوءاً إلى شركات خاصة. أقامت الصين شبكة دفاعية قوية حول ترابها الوطني تُسمى أحياناً «غلاف مكافحة الوصول والتموضع للقوى المعادية». وطوّرت في إطار هذه الاستراتيجية بحريتها، فحوّلتها من قوة ساحلية متواضعة خلال ثمانينات القرن الماضي إلى قوة عابرة للمحيطات، تضمّ على الأقل مئتي سفينة مجهّزة بأنظمة دفاع جوي متطوّرة وصواريخ مضادّة للسفن، وكذلك حاملات طائرات. وخصّصت لإسناد البحرية منظومات صاروخية برية وقاذفات استراتيجية. اختراق مثل هذه الشبكة الدفاعية يتطلّب حملة بحرية تفوق في مداها أي عملية للبحرية الأميركية منذ 70 عاماً، ما يحدّ قدرتها على الاضطلاع بمهامّ أخرى، كاصطياد السفن التجارية الصينية. القوة البحرية الأميركية المتبقّية، المحدودة القدرة بالضرورة في حال الشروع في مثل هذه المواجهة، ستُخصص لمراقبة خصوم محتملين كروسيا وإيران وكوريا الشمالية.

مكامن الضعف اللامتوازي
وسّعت الصين بعدوانية نفوذها العالمي الاقتصادي والدبلوماسي عبر مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، لكن هذا التوسّع حمل معه عامل ضعف، هو ضرورة حماية هذه الاستثمارات. هذا الضعف يتعاظم راهناً. كما تضاعف حجم الاقتصاد الصيني في السنوات الـ15 الأخيرة بفعل نموّ الصادرات. تشكل التجارة 38% من مجمل ناتج الصين المحلي بينما لا تمثل سوى 9% من الناتج الأميركي. ويرتكز الاستقرار الاجتماعي الصيني على قبول الشعب الصيني بمقايضة الديمقراطية بالرخاء الاقتصادي. الأسطول التجاري الصيني ضخم لأن كلفة بناء السفن التجارية منخفضة، ولأن الاقتصاد الصيني المستند إلى الصادرات يزيد تعاظم الطلب الخارجي. سنة 2018 كان للصين 2112 سفينة تجارية، ولهونغ كونغ 2185. تمتلك الصين أيضاً أسطول صيد يُقدر بـ2500 سفينة.
في المقابل، لا تمتلك الولايات المتحدة سوى 246 سفينة تجارية. هذا الضعف اللامتوازي يمنح الأخيرة ميزة استراتيجية أساسية. التهديد الذي ستمثله الشركات الخاصة المفوّضة للاقتصاد الصيني، وبالتالي للحزب الشيوعي، قد يوفر للولايات المتحدة أفضلية استراتيجية في زمن الحرب، وتعزّز قدرتها الرادعة في السلم. حتى لو هدّدت الصين باستخدام شركات خاصة مفوّضة للغاية نفسها، ستكون المخاطر التي ستتعرّض لها الولايات المتحدة أقلّ أهمية مقارنة بالتي ستتعرّض لها الصين.

مقاربات جديدة مطلوبة
فكرة اللجوء إلى الشركات الخاصة تزعج خبراء الاستراتيجية البحرية، لأنها مقاربة للحرب لا تنسجم مع نمط خوضها المعتمد لدى البحرية الأميركية منذ عام 1815. ليست لدينا تجارب حديثة للجوء مماثل إلى شركات خاصة، وهناك مخاوف مشروعة بشأن المسوّغات القانونية وموقف الرأي العام العالمي، لكن من غير المنطقي أن يحاجج الاستراتيجيون الأميركيون لإثبات ضرورة التفكير خارج الصندوق من أجل مواجهة التحدي الصيني المتزايد، ثم يعودون إلى توصيات تقليدية حول كيفية التعامل معه بسبب الإزعاج الذي يسببه لهم مثل هذا التفكير.

* ترجمة مختصرة عن موقع «معهد البحرية» الأميركي
** مارك كانسيان هو كولونيل متقاعد في البحرية الأميركية