يُتوقّع أن تشهد نهاية شهر شباط/ فبراير الجاري توقيعَ اتفاق سلام بين واشنطن و«طالبان»، يُعدّ يمثابة خطوة أولى تخطوها الحركة الأفغانية على طريق إنهاء الاحتلال الأميركي الأطول في تاريخ «حروب الإرهاب» التي تخوضها الولايات المتحدة في المنطقة. وإن كان لحدث التوقيع نفسه الذي تستضيفه قطر أهمية في الشكل، إلا أن العِبَر تبقى في التطبيق، ومدى التزام الولايات المتحدة بخفض عديد قواتها، كمقدّمة لانسحاب شامل لا يزال يبدو بعيداً. وأيّاً تكن نتيجة الانتخابات الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإن من شأنها أن تُعيد ترتيب أولويات الرئاسة في المنطقة، وتُحرِّر دونالد ترامب، في حال إعادة انتخابه، مِن «وعود» لن يكون مضطراً للالتزام بها بعد الفوز.وبعدما أعلن الرئيس الأميركي، أخيراً، أن التوصل إلى اتفاق بات «قريباً جداً»، أكّدت الحركة الأفغانية، على لسان نائب رئيس مكتبها السياسي في قطر مولوي عبد السلام حنفي، أمس، أن اتفاق السلام سيتمّ توقيعه نهاية الشهر الجاري في الدوحة بحضور ممثّلين عن دول جوار أفغانستان والأمم المتحدة و«منظمة التعاون الإسلامي» والاتحاد الأوروبي. و«بمجرّد توقيع الاتفاق، ستُفرج الولايات المتحدة عن خمسة آلاف من أسرانا وسنفرج عن ألف من أسراهم»، كشرط رئيس لبدء مفاوضات مباشرة مع حكومة كابول. من جهته، دعا المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي قاد على مدى أكثر من سنة محادثات بين «طالبان» وواشنطن، إلى «تقييم هذه الفرصة بشكل جيّد»، و«العمل معاً من أجل أن يتكلّل مسار السلام مع طالبان بالنجاح»، مؤكداً بدء التحضير لمحادثات سلام مرتقبة بين الحكومة والحركة. وفي حال سلكت آلياته التنفيذية طريقها، سيمهِّد الاتفاق الطريق أمام مزيد من الخفض في عديد القوات الأميركية في أفغانستان، تنفيذاً لأحد وعود ترامب لناخبيه، بينما يتجه إلى معركة إعادة انتخابه خاليَ الوفاض من أيّ إنجاز خارجي. لكن الطريق لا يزال طويلاً أمام التوصّل إلى تسوية تنهي الاحتلال العسكري الأميركي في البلاد، وخصوصاً أن واشنطن أعلنت في غير مناسبة عزمها خفض عديد القوات البالغ قوامها 13 ألفاً، إلى حوالى 8600 هذا العام، سواء جرى ذلك باتفاق على الانسحاب أم من دونه.
ومهّد الأميركيون للاتفاق بالإعلان عن موافقة «طالبان» على «خفض للعنف لمدة سبعة أيام» يسبق التوقيع. وتأتي هذه الخطوة ضمن إجراءات بناء الثقة قبل الإعلان عن اتفاق شامل لا تزال تفاصيله طيّ الكتمان. ويفترض بتعبير «خفض» أن يترك هامشاً أمام الحركة لمواصلة المعارك. وإذا نجحت الهدنة ووُقِّع اتفاق بين «طالبان» والولايات المتحدة، فإن ذلك لن يكون سوى خطوة على طريق السلام برأي الدبلوماسية السابقة والخبيرة في «مجموعة الأزمات الدولية» لوريل ميلر، التي أوضحت أن الاتفاق بين الطرفين «ليس اتفاق سلام، لكنّ حواراً داخلياً أفغانياً يمكن أن يؤدي إلى إبرام اتفاق للسلام»، مضيفة أن «الجانب المهم في الاتفاق هو أنه يخلق فرصة لبدء حوار داخلي أفغاني». من جهتها، توقّعت المحلّلة لدى معهد «بروكينغز»، فاندا فلباب-براون، تواصلاً بل ارتفاعاً في العنف، إذ رأت أنه «يمكن أن يبدأ الحوار الداخلي الأفغاني، لكن تاريخ أفغانستان حافل بمحادثات طويلة ومعارك متواصلة»، داعية إلى الانتظار «بضعة أسابيع. سأفاجأ إذا بقيت المعارك عند المستوى المتوقع خلال فترة خفض التصعيد».
في موازاة ذلك، أكد رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أن بلاده، التي يعتبر دورها أساسياً في أيّ اتفاق مرتقب، تدعم بشكل كامل عملية السلام الأفغانية. وقال خان، في مؤتمر لمناسبة الذكرى الـ40 لاستقبال بلاده لاجئين من أفغانستان في العاصمة إسلام آباد: «بغضّ النظر عمّا كان عليه الوضع في السابق، الآن يمكنني أن أقول لكم إننا نريد شيئاً واحداً: السلام في أفغانستان». وحضر المؤتمرَ أيضاً خليل زاد، الذي أعرب عن«تفاؤل حذر» إزاء التقدّم نحو اتفاق محتمل، لافتاً إلى أن لدى الولايات المتحدة «تعهّدات من حركة طالبان حول أمور أمنية».