إذاً، هي المرّة الأولى التي يصدر فيها حكمٌ بالإعدام في حقّ قائدٍ سابق للقوات المسلحة في باكستان، التي حكمها الجيش لعقود ولا يزال يحتفظ بنفوذ واسع فيها. حكمٌ مثّل خيبة أملٍ لكلّ من الحكومة الباكستانية التي فشلت في مساعيها لتأخير صدوره، والمؤسسة العسكرية كون القرار يأتي في حقّ أحد المنتسبين إليها، ما قد يخلق فجوة بين المؤسستين العسكرية والقضائية، يُستبعد أن تصل إلى حدّ الصدام بينهما. إزاء ذلك، سارع الجيش إلى إصدار بيان يمكن وصفه بالشكلي، على رغم الإدانة الواضحة التي عبّر عنها، وقوله إنه يشعر «بألم وحزن». وجاء في البيان أن «قائد الجيش السابق ورئيس لجنة الأركان المشتركة ورئيس باكستان الذي خدم البلاد لأكثر من 40 عاماً وخاض حروباً من أجل الدفاع عن البلاد، لا يمكن أن يكون خائناً»، لكن «يبدو أنه تمّ تجاهل» إجراءات قانونية.
رحلة محاكمة مشرّف بدأت في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، حين أعلن وزير الداخلية آنذاك، شودري نثار علي خان، أن الرئيس الأسبق سيُحاكم بموجب المادة السادسة من الدستور. جاء ذلك بعد دعوى قضائية رفعها أمام المحكمة العليا حزب «الرابطة الإسلامية» ــــ جناح نواز شريف تتّهم مشرّف بالخيانة العظمى، طبقاً للمادة التي تشير إلى أن تعليق العمل بالدستور أو التعاون في هذا الشأن خيانة عظمى. حينها، لفت وزير الداخلية إلى أن «هذا يحصل للمرّة الأولى في تاريخ باكستان»، وأن محكمة خاصة تضمّ ثلاثة من قضاة المحكمة العليا ستنظر في القضية. شُكّلت المحكمة التي تناوب فيها الكثير من القضاة، إلى أن انتهى الأمر بثلاثة قضاة، يرأسهم القاضي وقار أحمد سيته، حكم اثنان منهم بإعدام الجنرال المتقاعد الذي يعيش حالياً في دبي بعدما تمكّن من مغادرة البلاد منذ رفع حظر السفر الذي كان مفروضاً عليه في 2016. وفيما أشار محاميه، أخطر شاه، إلى أن مشرّف لم يتّخذ قراراً في شأن استئناف الحكم الصادر في حقّه، قال خبراء قانونيون في إسلام أباد إن في إمكانه الطعن على الحكم أمام المحكمة العليا في غضون 30 يوماً، وهو ما تعوّل عليه الحكومة، إذ أكّد وزير الدفاع الباكستاني، برويز ختك، أن القرار الحقيقي سيأتي من المحكمة العليا. واعتبر النائب العام، أنور منصور خان، الذي عيّنته حكومة عمران خان، أن الحكم الذي أصدرته محكمة خاصة «ينافي الدستور». وأضاف في مؤتمر صحافي إن «من حقّ أي شخص أن يحظى بمحاكمة عادلة».
بإمكان مشرّف الطعن على الحكم أمام المحكمة العليا في غضون 30 يوماً
تتمحور القضية حول قرار مشرّف تعليق العمل بالدستور وفرض حال الطوارئ والإقامة الجبرية على قضاة المحكمة العليا، وإجراء تعديلات دستورية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2007. قرارٌ سعى من خلاله الرئيس الى الاحتفاظ بمنصبه لأطول فترةٍ ممكنة، بعدما نجح في الوصول إلى السلطة عقب انقلابه على حكومة نواز شريف في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1999، قبل انتخابه رئيساً في 20 حزيران/ يونيو 2001، ليصبح بعدها رجل أميركا الأول في باكستان، وحليفها في «الحرب على الإرهاب». لم يواجه مشرّف أيّ تحديات جدّية عندما كان في السلطة، إلى أن حاول إقالة رئيس المحكمة العليا، افتكار تشودري، في آذار/ مارس 2007. اندلعت على هذه الخلفية الشرارة الأولى للمعركة ضدّه، إذ أشعلت خطوته هذه احتجاجات واسعة في البلاد بقيادة محامين وجماعات حقوقية وتسبّبت بأشهر من الاضطرابات. لكن المحكمة العليا وجّهت، في تموز/ يوليو 2007، ضربةً للرئيس عبر إعادة تشودري إلى منصبه، وهو ما تلقّفه مشرّف بالترحيب، في محاولة منه لاستيعاب الوضع المتفجّر في البلاد بعد أحداث المسجد الأحمر. أحداث دفعت مشرّف إلى فرض حال الطوارئ، لتغرق البلاد في حال فوضى وعنف، ويبدأ تراجع المزاج العام المؤيد له، وخصوصاً عقب اغتيال رئيسة الوزراء بنازير بوتو، والذي هوت معه شعبية الجنرال، الذي خسر حزبه «الرابطة الإسلامية» الانتخابات، فيما تسلّم الحكمَ غريماه، آصف زرداري ونواز شريف. واتفق الرجلان، في 7 آب/ أغسطس 2008، على العمل من أجل دفع مشرّف نحو الاستقالة، وبدآ الإجراءات القانونية لعزله، إلى أن أعلن استقالته في 18 آب/ أغسطس من ذلك العام، وغادر البلاد. وعاد في 2013 في محاولة لخوض الانتخابات، لكنه مُنع من المشاركة ومن مغادرة باكستان في وقت واجه فيه سلسلة من القضايا القانونية. ويُعدّ حكم أمس الأخير في سلسلة القرارات القضائية التي استهدفت مشرّف؛ ففي عام 2017، اعتبرت محكمة باكستانية أن مشرّف فارّ من العدالة في إطار المحاكمة المرتبطة بقتل بنازير بوتو، إذ يشتبه في أنه كان جزءاً من مخطّط يهدف إلى قتل منافسته السياسية قبل الانتخابات.