يصرّ قادة الانقلاب في بوليفيا على أخذ بلد منقسم إلى صراع بدأ يخرج عن نطاق السيطرة. صراع تغذّيه القوى اليمينية التي أطاحت إيفو موراليس بانقلاب عسكري، بمعارك أيديولوجية عبر اعتماد نهج متشدّد في السياسة الخارجية إزاء حلفاء الزعيم البوليفي.وإلى جانب تنصيب نفسها رئيسةً خلافاً للدستور، أصدرت جانين آنيز، الخميس الماضي، مرسوماً يسمح بمشاركة الجيش في «حفظ الأمن» مع إعفائه من أيّ مسؤوليات جنائية. المرسوم الذي يمنح «حصانة لذبح الناس»، وفق وصف موراليس، أدى إلى استخدامٍ مفرط للقوة، خلّف تسعة قتلى جراء اشتباكات قوات الأمن مع مزارعي الكوكا الموالين للرئيس المُقال. دفع ذلك بالأمم المتحدة، التي أوفدت مبعوثها جان أرنو من أجل «إيجاد مخرج سلمي للأزمة»، إلى إطلاق تحذير من أن العنف واستخدام القوة المفرطة في بوليفيا قد «يخرجان عن نطاق السيطرة». وفيما يتصاعد القلق الدولي جرّاء الفوضى المستحكمة في البلاد، ندّدت المفوضة الأممية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، أول من أمس، بـ«الاستخدام غير الضروري وغير المتكافئ للقوة من قِبَل الشرطة والجيش» في بوليفيا، معتبرةً أن ما يجري «بالغ الخطورة» ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع. وفيما أشارت إلى أن البلاد «منقسمة والناس على جانبي الانقسام السياسي غاضبون للغاية»، لفتت إلى زيادة في حدّة التوترات أعقبت «عمليات اعتقال واحتجاز واسعة النطاق» بعد رحيل موراليس.
اتّخذت حكومة اليمين الجديدة في بوليفيا نهجاً متشدّداً إزاء حلفاء موراليس


وترفع الحصيلة الأخيرة عدد القتلى إلى 23 شخصاً، بحسب ما أعلنت «لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان»، والتي قالت إن تسعة أشخاص قتلوا منذ الجمعة في اشتباكات مع قوات الأمن بالقرب من كوتشابامبا (وسط)، حين كان آلاف البوليفيين يحاولون الوصول إلى المدينة للانضمام إلى تظاهرة مناهضة لآنيز، لكن الشرطة قطعت الطريق ومنعتهم من عبور جسر بمساعدة الجيش. وبحسب محقّق الشكاوى في كوتشابامبا، نلسون كوكس، فإن سجلات المستشفيات في المنطقة تُظهر أن «الغالبية العظمى» من الوفيات والإصابات التي وقعت يوم الجمعة نجمت عن أعيرة نارية، جرّاء «قمع» الجيش والشرطة للمتظاهرين. ورداً على استخدام العنف ضدّ أنصاره، قال موراليس إن «قادة الانقلاب يقتلون السكان الأصليين والبسطاء لمطالبتهم بالديموقراطية»، فيما ألقت الرئيسة المؤقتة اللوم على الرئيس المُقال في إثارة أعمال العنف من مقرّ إقامته في المكسيك.
وعلى رغم منصبها المؤقّت، اتّخذت حكومة اليمين الجديدة نهجاً متشدداً إزاء الحلفاء اليساريين لموراليس. ومنذ تسلّمها السلطة الأسبوع الماضي، قطعت آنيز العلاقات مع كوبا وفنزويلا، بعدما قدّمت أولى إشاراتها على توجه سياستها الخارجية عبر الاعتراف بخوان غوايدو رئيساً لفنزويلا، في منعطف في التحالفات في منطقة مضطربة. وقالت وزيرة الخارجية البوليفية الجديدة، كارين لونغاريك، إن دبلوماسيي فنزويلا عليهم مغادرة بلادها «لانتهاكهم الأعراف الدبلوماسية» و«تدخلهم في الشؤون الداخلية للبلاد»، فيما اتهمت كوبا بـ«التحريض على الاضطرابات» بعد استقالة الزعيم البوليفي. كذلك، انسحبت حكومة اليمين من كتلتين إقليميتين هما «المعاهدة البوليفارية لشعوب أميركا» (ألبا)، و«اتحاد أمم أميركا الجنوبية» (أونيسور)، المؤلّفَتين من بلدان يسارية حليفة. ويشكّل هذا جهداً منسّقاً يعكس 13 عاماً من السياسة الخارجية في ظلّ حكم الزعيم النقابي السابق موراليس. وتعليقاً على النهج المتبع، رأى الباحث في شؤون أميركا اللاتينية في «تشاتام هاوس»، كريستوفر ساباتيني، أن أولويات آنيز خاطئة. وقال: «الآن ليس الوقت المناسب للتفكير في المعارك الأيديولوجية الكبرى في المنطقة، بل لمحاولة إصلاح التوافق السياسي والاجتماعي في بوليفيا». وتابع إن «الاستقطاب الإقليمي الذي يتمّ على الساحة الوطنية لن يؤدي إلّا إلى تأجيج الانقسامات».