تعيين أميركية من أصل إيغوري، هي إلنيغار إلتبير، مسؤولة عن ملف الصين في مجلس الأمن القومي الأميركي، خطوة تصعيدية جديدة من إدارة دونالد ترامب ضدّ هذا البلد. كثيراً ما أُخذ على الإدارة في السنتين الماضيتين، على الرغم من شنّها حرباً تجارية على الصين وشروعها في سياسة احتواء وتطويق علنية حيالها، وتموضعها عسكرياً ونشرها الصواريخ في جوارها، عدم إثارتها قضية الإيغور و«صراعهم الطويل» معها. الرئيس الأميركي كان قد التقى خلال الشهر الماضي في واشنطن «ممثّلين» عن الإيغور، في إطار اجتماع مع «ضحايا الاضطهاد الديني» في العالم، وسبق لنائبه مايك بنس أن وصف تعامل الصين مع الإيغور بأنه «وصمة عار في هذا القرن». غير أن قرار تعيين إلتبير يعدّ دخولاً أميركياً رسمياً ومباشراً، للمرة الأولى، على خط الأزمة في السين كيانغ، و«إجراءً إضافياً»، بحسب شين ستارز، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة هونغ كونغ، لـ«مضاعفة الضغوط على الصين وإبراز تغيّر السياسة الأميركية حيالها... فاختيار أكاديمية من أصول إيغورية إجهار باتباع الإدارة سياسة أكثر صدامية معها». وهو يؤشّر، كما الثورة الملوّنة في هونغ كونغ، إلى أن زعزعة الاستقرار الداخلي هي جزء من استراتيجية الاحتواء الأميركية.إلنيغار إلتبير أكاديمية حائزة شهادة الدكتوراه من جامعة ماريلاند سنة 2015، متخصّصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وهي ابنة عبد الحكيم باقي إلتبير، أحد المثقفين الإيغور المعروفين الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة. ولدت إلنيغار في مقاطعة سين كيانغ غرب الصين، وقضت طفولتها في تركيا قبل انتقالها مع عائلتها، عندما كانت في سن المراهقة، إلى الولايات المتحدة. إلتبير ناشطة معروفة بعدائها للصين، وقد شاركت في العديد من الفعاليات والتحركات الاحتجاجية ضدها، وألّفت كتاباً عن سياستها حيال الإيغور بعنوان: «سياسة الصين الديمغرافية تجاه الإيغور في شرق تركستان»، صدر عام 2007 عن «معهد جون كندي للإدارة العامة» في جامعة «هارفرد». حملة «أنقذوا الإيغور» رحّبت بتعيينها، معتبرة إياها «بادرة جدية لدعم الإيغور... الجالية الإيغورية تأمل أن ينعكس ذلك في الدفاع عن قضية تركستان الشرقية انطلاقاً من هذا المنصب العالي في السلطة». الأكاديمية الأميركية ــــ الإيغورية ستكون «مستشارة للرئيس، وللمسؤولين الأساسيين في البيت الأبيض، بالنسبة إلى السياسة الأميركية تجاه الصين، إحدى أخطر أولويات إدارة ترامب، بما فيها القضايا المرتبطة بالتجارة وبالشؤون العسكرية وبحقوق الانسان»، وفقاً لـ«فورين بوليسي».
ليس هناك اليوم من «قضية إيغورية» تقارَن بالقضية الأفغانية


توقيت القرار لا يزال موضع تساؤل في نظر العديد من المحللين، لأنه يأتي بعد امتناع ترامب وأقطاب الإدارة الآخرين عن الإعلان عن تأييدهم للاحتجاجات الدائرة في هونغ كونغ، لتجنب آثار ذلك السلبية على اتفاق محتمل مع الصين حول التجارة. التفسير الأكثر ترجيحاً، والذي ينطلق من فرضية أن المواجهة بين واشنطن وبكين ليست اقتصادية أو تجارية في جوهرها، بل استراتيجية، وتتمحور حول إرادة الأولى وقف صعود الثانية عبر استخدام أدوات الضغط والاستنزاف كافة، رأت في احتجاجات هونغ كونغ فرصة مؤاتية لإرسال إشارة قوية لمجموعات وكتل في مناطق أخرى من الصين تعتبرها معادية لنظامها أو تسعى إلى الانفصال عنها، لتشجيعها على التحرك. واشنطن ترى إمكانية أن تتحول احتجاجات هونغ كونغ إلى «الشرارة التي تشعل التل»، كما قال ماو تسي تونغ، لكنها شرارة الثورة المضادة هذه المرة. المنطقة الأكثر قابلية للاشتعال من وجهة نظرها بعد هونغ كونغ هي سين كيانغ. الصين متهَمة من قِبَل جهات دولية عديدة ومنظمات حقوق إنسان باعتماد سياسات تنكيل بحق سكان المقاطعة المسلمين، وباعتقال أكثر من مليون منهم في معسكرات إعادة تأهيل، وباتباع مخطط منهجي لتعديل التوازن الديمغرافي فيها لغير مصلحة هؤلاء السكان.
طبعاً، الولايات المتحدة، المناصرة للإنسان ولحقوقه كما يظهر تاريخها القديم والحديث، اكتشفت هذا الواقع المرير وقرّرت تغييره! شاءت الصدف أن يكون موقع سين كيانغ هو أكثر المواقع حيوية بالنسبة الى مشروع «حزام واحد، طريق واحد» الاستراتيجي الصيني، الرد الفعلي والقاري على استراتيجية الاحتواء، البحرية أساساً، التي جهر بها أوباما عام 2012 عندما تحدث عن «الاستدارة نحو آسيا». فسين كيانغ هي الممرّ البري الإجباري لشبكة أنابيب الصين وطرقها السريعة نحو آسيا الوسطى وإيران، الغنية بمصادر الطاقة النفطية والغازية، ومعبرها نحو جنوبها، أي ميناء غوادار في باكستان، حيث منفذها البحري باتجاه بقية العالم. زعزعة استقرار هذه المقاطعة تعني عملياً زعزعة استقرار مشروع «حزام واحد، طريق واحد» برمّته.
قد تكون قسوة السلطات الصينية الفائقة حيال أي تحرك احتجاجي أو مطلبي لسكانها مرتبطة بإدراكها حقيقة هذا المسعى الغربي والاستثمار القديم في جماعات قومية، ومن ثم دينية إيغورية، لخدمة الأجندة الاستراتيجية للولايات المتحدة. لكن هذا المسعى استند في زمن سابق إلى مشاركة فاعلة لدول وجهات إسلامية فيه، كتركيا والمملكة السعودية ودول خليجية أخرى. التأمّل في مواقف هذه الأطراف، الدولتية وغير الدولتية، حيال التطورات في السين كيانغ، والتي تتراوح ما بين تجاهل ما تُتهم الصين بارتكابه وتفهّم ما تقوم به حفاظاً على أمنها القومي، يكشف أن الولايات المتحدة لن تجد وكيلاً أو رديفاً وازناً تلزمه قضية الإيغور كما فعلت أيام الحرب الأفغانية ضد السوفيات. ليس هنالك اليوم من «قضية إيغورية» تقارَن بالقضية الأفغانية. حجم المصالح المشتركة الضخم والمتنامي بين الصين وهذه البلدان، واتساع هامشها السياسي بحكم التراجع الأميركي والتغير التدريجي، ولكن المستمر، لموازين القوى الدولية دفعها إلى النأي بنفسها عن السياسات التي لا تخدم مصالحها بشكل مباشر. هذه المعطيات ستزيد من صعوبة نجاح خطتها الخاصة بالسين كيانغ، لكن قرار تعيين إلتبير في مجلس الأمن القومي يؤكد أنها ماضية في محاولتها إنفاذها رغماً عن ذلك. الرئيس الأميركي مقتنع، بحسب تصريح له يوم الأربعاء الماضي، بأن الله اختاره ليحارب الصين. يبدو أن سياساته تترجم هذا الاقتناع.