طهران | تحاول طهران تنويع مصادر دخلها، سواء في إطار ما يعرف باستراتيجية «الاقتصاد المقاوم» وسياسات تقليل الاعتماد على النفط، أو ضمن الخطط التي دشّنتها لمواجهة الحصار الأميركي. بناءً على ذلك، تسعى الحكومة في تنشيط قطاع السياحة وإزاحة العقبات من أمامه في ظلّ العقوبات. ولهذا الغرض، أقرّت السلطات جملة تسهيلات في الآونة الأخيرة، أهمها المباشرة بعملية التأشيرة الإلكترونية من دون ملصق على جواز السفر، لتسهيل زيارات الأوروبيين ورجال الأعمال والسياح الأجانب عامةً من دون أي «قلق». كذلك أمرت وزارة الطاقة ومنظمة التراث الثقافي والصناعات اليدوية والسياحية بتفعيل المنهج السياحي، بموازاة دعوة لجنة السياحة في البرلمان إلى تطوير القطاع السياحي عبر الإمكانات والطاقات الموجودة في المناطق المجاورة للسدود والبحيرات. بدوره، كشف البنك المركزي الإيراني عن منح التسهيلات اللازمة للمستثمرين في مجال السياحة البيئية، مشيراً إلى أن العائدات المباشرة لهذا النوع من الأعمال ستنشّط خزينة الدولة، خصوصاً خلال فترة العطلة الصيفية والمناسبات الدينية، فضلاً عن فرص العمل التي يتيحها للشعب الإيراني. وقد وافق البرلمان أيضاً على رفع العقبات من أمام عملية تطوير السياحة وتوسيعها، وتسهيل النمط التنفيذي لها.
تراجعت زيارات الأوروبيين بنسبة 38% منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية

في حديث إلى «الأخبار»، يقول الباحث الإيراني، محمد حسين أنصاريفرد، إن إيران باتت أنشط على الصعيد السياحي من خلال الخطوات التي تقوم بها في هذا المجال، فهي اليوم تسعى لزيادة تمثيلها الدبلوماسي عبر السفارات والقنصليات في البلاد التي لا توجد فيها، فضلاً عن الندوات والتجمعات والإعلانات التي تشرح عن معالم إيران السياحية والطبيعية والدينية بالتفصيل، والتسهيلات التي تقوم بها الحكومة على هذا الصعيد عبر التواصل مع شركات الطيران والسياحة وتقديم العروض لها من أجل جذب السياح بنحو أكبر، إضافة إلى تطوير سكك القطارات وتسيير الرحلات الطويلة إلى دول الجوار. ويرى أنصاريفرد أن التأشيرة الإلكترونية سيكون لها دور كبير في جذب السياح الأجانب الذين لا تجمعنا معهم الديانة أو العادات والتقاليد، وذلك لأنها ستنزع حالة الخوف من الإجراءات الأميركية التي فرضت عام 2015 بعدم استقبال أو التعامل مع أي شخص يحمل ملصق الدخول إلى ايران على جوازه، مضيفاً أنّ من المتوقع أن ينشّط هذا النوع من القرارات عمل الفنادق والمحال التجارية بشكل مضاعف، وينعش زيارات الأوروبيين لإيران، التي تراجعت بنسبة 38% منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية حتى اليوم، فضلاً عن زيادة حركة الملاحة بسبب الأمان الذي سيشعر به رجال الأعمال والتجار مع عملية إلغاء الملصق.
ومن دول العالم إلى دول الجوار والدول الصديقة، ينتقل أنصاريفرد، لافتاً إلى أن إيران رفعت نسبة فتح الأبواب للدول المجاورة والدول الصديقة التي تجمعها معها علاقات دينية وعقائدية أو عادات وتقاليد إلى أقصى حد. فهي تعمد اليوم إلى عمليات إلغاء التأشيرات أو تصفير ثمنها، كما حدث أخيراً مع العراق وسوريا ولبنان والكويت، «وأولئك الذين يعلمون أن إيران بلد آمن ويرغبون في زيارة مقدساتهم فيه، ولهذا تعمل الجمهورية أكثر على تفعيل السياحة الدينية التي تميز بلادنا في هذا المجال عن سواها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شركاء العادات والتقاليد والحضارات المتشابهة من دول الجوار، مثل باكستان وتركيا، فقد شهدنا منذ فترة وجيزة مثلاً تسيير رحلات برية بواسطة القطار بين طهران وأنقرة وبأسعار أقل ما يقال عنها أنها رخيصة».
من السياحة البيئية والطبيعية إلى تلك الدينية، مروراً بالسياحة الثقافية التي تزخر بآثار الحضارة الفارسية، تعكف إيران على تطوير سياستها السياحية بشكل مضاعف، كسبيل لزيادة الواردات الاقتصادية والعمل أكثر على الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على قطاعاتها الأساسية، عبر استقطاب الوافدين الأجانب بأكثر الطرق أماناً. يعتقد مسؤولون وخبراء اقتصاد في طهران أن ما يحصل اليوم بين إيران والولايات المتحدة، في ظل اشتداد الأزمة بين البلدين وازدياد العقوبات الاقتصادية، «فرصة» للاعتماد أكثر على خطة «الاقتصاد المقاوم» التي أعلنتها طهران في السنوات الأخيرة، بهدف ضم إيرادات مختلفة إلى خزينة الدولة، بعيداً من الاتكال الكلي على النفط والغاز ومصادر الطاقة فقط، وذلك عبر تنشيط مصادر الإنتاج المتنوعة التي تتمتع بها البلاد، تفادياً لما سبّبته العقوبات من شلل في قطاع الطاقة والنفط الأساسيين، وبالتالي إنهاك الاقتصاد الإيراني والعملة الوطنية.