رغم تقديم جون بولتون، أمس، إيران في استراتيجية بلاده لـ«مكافحة الإرهاب»، على أنها «الممول الرئيسي العالمي للإرهاب الدولي»، فإن التصريحات على الضفتين لا تشي باستعدادات للحرب. مع ذلك، تحتاج الضغوط الأميركية المتصاعدة إلى «التحدي» الذي شهره خامنئي أمس أمام جموع «الباسيجيين» في طهران، تبديداً لرهان واشنطن على «استسلام» إيران.
مع استعادة إيران لذكرى حرب السنوات الثماني مع العراق، على وقع الاعتداء القاسي الذي طاول العرض العسكري للحرس الثوري قبل أيام وردّت عليه طهران بهجوم صاروخي عابر للحدود، وكذلك مع اقتراب العقوبات الأميركية الأقسى من التنفيذ، خرج المرشد الأعلى علي خامنئي، أمام عناصر «التعبئة» (الباسيج) في استعراض كبير أراد إرسال رسائل في اتجاهات عدة، أبرزها رفع الاستعداد الشعبي لبلوغ الضغوط الأميركية ذروتها، ولا سيما على المستويات المعنوية والإعلامية. وفي الوقت نفسه، الطمأنة مبكراً إلى أن طهران قادرة على تحدي العقوبات والتغلب عليها، رغم اختيار طريق التحدي لمشروع الإدارة الأميركية الجديد.
وقال المرشد الإيراني إن اقتصاد إيران «قادر على إلحاق الهزيمة بالعقوبات» الأميركية، واعداً بأن الولايات المتحدة «ستتلقى صفعة أخرى» بعد فشل عقوباتها. وأقرّ خامنئي، في الوقت نفسه، بأن الطريق أمام التقدم مشرّع «لكن هناك بعض العقبات» البلاد التي تعاني من مشاكل اقتصادية، بينها الاقتصاد النفطي الذي هو «عيب كبير في حد ذاته»، إضافة إلى «الإسراف» وافتقاد «ثقافة التوفير». واستطرد خامنئي بالقول إن «العيب الحقيقي أن يظنّ الشاب داخل البلاد أن لا سبيل للحل سوى الارتماء في حضن العدو». وحذر من أن ما يحاك ضد إيران يتمثل في إيصال الشعب إلى نتيجة بأنه «يواجه طريقاً مسدوداً، وأن لا سبيل للحل إلا بالخضوع والاستسلام أمام أميركا». واتهم خامنئي المروجين لفكرة أن «لا سبيل سوى الارتماء في حضن العدو» بـ«خيانة البلاد»، مضيفاً: «لن أسمح ما دام فيّ رمقٌ بأن يحصل هذا الأمر». ورأى أن تجاوز العقبات أمام إيران ممكن من خلال تأكيد العداء الأميركي وعدم إنكاره، إضافة إلى الثقة بالنفس ومعرفة من أي ساحة سيشن العدو هجومه.
حذّر خامنئي من «استغلال العدو» للإعلام ووسائل التواصل


وفي كلمة له، أمس، أمام عشرات الآلاف من عناصر قوات «الباسيج» في ملعب «آزادي» في طهران، شدد على «عظمة إيران» واستعصاء إلحاق الهزيمة بها، مشيراً إلى طلب الرئيس الأميركي من الأوروبيين أن يتريثوا شهرين أو ثلاثة لاجتثاث النظام الإيراني، معلقاً بالقول: «تذكّرت تصريحات قبل أربعين عاماً أيضاً لأميركا وعبيدها كانوا يُبشّرون فيها بأنّها (الثورة الإيرانية) ستُجتث من جذورها في غضون ستة أشهر، ها قد مرّ 40 عاماً اليوم، وقد تحوّلت تلك الغرسة الطرية إلى شجرة باسقة. والآن يقوم هذا البائس (دونالد ترامب) بتمنية نفسه وأعوانه». وتابع خامنئي: «هذا الشعب والجيل الجديد قد قرّر أن لا يجري استحقاره مرّة أخرى، وقد قرّر أن لا يخضع للعدو والقوى الأجنبية، وقد قرّر أن يبلغ بإيران قمم الشرف والعزة، وهو قادر على ذلك». وحذر من رهان الأميركيين وحلفائهم على استغلال وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي «في مواجهة الرأي العام».
في غضون ذلك، قدم مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، أمس، استراتيجية بلاده لـ«مكافحة الإرهاب». وركزت الاستراتيجية التي عرضها بولتون أمام الصحافيين، على كل من إيران و«الجماعات الإسلامية الإرهابية المتطرفة». وقال المسؤول الأميركي إن الولايات المتحدة تواجه تهديدات إيران، واصفاً إياها بأنها «الممول الرئيسي العالمي للإرهاب الدولي منذ 1979»، فيما رأى في ما وصفها بـ«الجماعات الإسلامية الإرهابية المتطرفة»، أنها تمثّل «أبرز تهديد إرهابي عبر الحدود للولايات المتحدة ومصالحها في الخارج». من جهته، قال قائد القادة المركزية الأميركية جوزيف فوتل، إن الولايات المتحدة «لا تسعى إلى الحرب مع إيران، ولا أعتقد أن هذا ما نركز عليه».