لم تعد الإدارة الأميركية الحالية معنية بتقديم نفسها بصفتها وسيطاً بين العرب والإسرائيليين. هي منحازة إلى درجة التماهي الكامل مع المواقف الإسرائيلية، لكن هذا الأمر لا يكفي لطمأنة مخاوف أقطاب اللوبي الإسرائيلي. المُستغرَب عند مشاهدة الفيلم، وفق غريش، هو «القلق الفعلي الذي يعبر عنه أعضاء اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، أولاً بسبب انتشار "حركة مقاطعة إسرائيل" (BDS) في الجامعات، والدافع للقلق ليس اقتصادياً. لا يخشى أي من هؤلاء التداعيات الاقتصادية للمقاطعة، فالاستثمارات الأجنبية في إسرائيل أهمّ اليوم من المراحل السابقة. المشكلة بالنسبة إليهم هي اتساع الهوة بين الجيل الجديد من الطلاب وإسرائيل. سيحتلّ بعض أبناء هذا الجيل، النقديون أو حتى المعادون لإسرائيل، مواقع داخل المؤسسات السياسية والإعلامية والاقتصادية مستقبلاً. الأمر نفسه ينسحب على شريحة وازنة من الطلاب اليهود، الذين ما عادوا ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة نموذجية. نقطة أخرى شديدة الأهمية هي تلك المتعلقة بموقف الحزبين الديموقراطي والجمهوري من إسرائيل. تاريخياً، دَعَم الحزبان إسرائيل بنفس الزخم والقوة، لكن الوضع اختلف اليوم. نحن شهدنا جنوحاً للوبي نحو اليمين، وتطابقاً مع ترامب و(بنيامين) نتنياهو، ما أضعف تأثيره في صفوف الحزب الديموقراطي وبين أنصاره من جهة، وصعوداً لتيار بيرني ساندرز داخل هذا الحزب الذي يتميّز بمواقفه تجاه الفلسطينيين عن السياسة الأميركية المعتمدة منذ عقود. وقد انضمّت أعداد لا يُستهان بها من الناشطين المؤيدين لحقوق الفلسطينيين إلى الديموقراطي في الآونة الأخيرة. هذه بعض أبرز المخاوف التي يكشف عنها وثائقي الجزيرة».
رأى القطريون أن عليهم شراء دعم اللوبي الإسرائيلي لمواجهة السعودية
وقد أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تعاظم الخلاف بين ناخبي الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي» بالنسبة إلى الموقف من إسرائيل، وبات الأخيرون يرون أن الصراع بينها وبين الفلسطينيين يعود إلى انتهاكها حقوقهم الأساسية. ورسّخت هذه القناعة عملية الانزياح المستمرة للحكومة الإسرائيلية نحو أقصى اليمين.
دفعت هذه التطورات وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، التي أُنشئت عام 2006، إلى الإشراف المباشر على سلسلة عمليات تجسس وتشهير وتنكيل ضد مَن تُصنّفهم أعداء إسرائيل الجدد على أراضي الولايات المتحدة، غير آبهة بانتهاكها القوانين في هذا البلد: «قيام بلد ما بالتجسس على مواطني بلد آخر، حتى ولو كان صديقاً، هو انتهاك فاضح للقوانين، وكذلك بناء المؤسسات والهيئات التي تعمل كواجهات لأجهزة أجنبية كمعهد الدفاع عن الديموقراطية مثلاً، الذي يُعرّف نفسه باعتباره مؤسسة أميركية محافظة، بينما تعترف موظفة في وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية أنه مجرد أداة في أيديها. إذا قامت أي دولة، إيران أو روسيا أو كندا، بأنشطة مشابهة كنّا سنشهد أزمة دبلوماسية وملاحقات قضائية وتشكيل لجان تحقيق في الكونغرس. ربما يفسر هذا الأمر حجم الضغوط التي مورست على دولة قطر لعدم بثّ الوثائقي، لكونه سيوفر أدلة وقرائن وافية لرفع دعاوى قضائية ضد المؤسسات الصهيونية في الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية». يُبرز الوثائقي أيضاً الدور المحوري لإحدى المجموعات السرية التابعة للوبي، وهي «Canary mission»، أو بعثة الكناري التي يبقى تمويلها مجهول المصدر، وهوية أعضاؤها وأساليب عملها غير معروفة. تنشر البعثة لوائح أسماء الناشطين المعارضين للسياسات الإسرائيلية، مع السير الذاتية لأصحابها بما فيها معلومات تتعلّق بحياتهم المهنية ووظائفهم، مما أدى إلى فصل بعضهم من عمله.
قرار «الجزيرة» وقف بثّ الوثائقي لم يرتبط فقط بحجم الضغوط الأميركية والإسرائيلية بقدر ارتباطه بالنزاع القطري - السعودي: «عملية تدخل عسكري سعودي ضد قطر لم تكن مستبعدة في بداية الأزمة بين البلدين، خصوصاً بعد تصريحات ترامب المؤيدة للسعودية. لقد رأى القطريون أن عليهم شراء دعم اللوبي الإسرائيلي لمواجهة السعودية وحلفائها. لكنهم ذهبوا بعيداً في خطب ودّ اللوبي عندما مولوا المنظمة الصهيونية الأميركية، وهي إحدى منظماته النشيطة، وكذلك جمعية تعنى بتوفير الرفاه للجنود الإسرائيليين. لقد استأجر القطريون خدمات شركات تعمل في مجال العلاقات العامة والتأثير في صناع القرار، وهي التي اقترحت عليهم على الأغلب الخطوات المذكورة سابقاً للتصدي للحملة السعودية».