لا يهدأ العمل الإيراني على تحصين الجبهة الداخلية بمواجهة العقوبات الأميركية التي أدخلت طهران، منذ الثلاثاء الماضي، مرحلة المواجهة. ما شهدته الأسواق الإيرانية في الأسابيع الماضية على صعيد الانهيار في العملة المحلية، لا يزال يُصنَّف إيرانياً في إطار «الجرائم المالية» المدفوعة من الخارج، عبر غرف تنسيق أميركية ـــ خليجية. حجم العملات الأجنبية المسحوبة من إيران يعزز لدى الأجهزة الإيرانية الاقتناع بأن ما شهدته الأسواق، فضلاً عن الجانب النفسي لدى الناس، مردّه إلى تآمر عدد من التجار والمضاربين الكبار على العملة المحلية، وإقدامهم على سحب كميات ضخمة من الدولار وكذلك الذهب بعيداً من البلاد. ويبدو عدم تناسب التطورات مع حجم القدرات الاقتصادية لإيران منطقياً، خصوصاً أن ما جرى ويجري يُعدّ أقلّ من التأثيرات التي شهدتها البلاد في جولة العقوبات الماضية، علماً بأن تلك العقوبات كانت دولية وشاركت مختلف الدول فيها بقرار ملزم من مجلس الأمن الدولي.وبعد استشعار إيران نجاحها في الأيام القليلة الماضية في السيطرة نسبياً على الأسواق، والتحسن الطفيف في سعر صرف الريال الإيراني، تتركّز جهود السلطات على ملفين في إطار تحصين الداخل اقتصادياً وإدارياً: الأول، اتخاذ إجراءات قاسية وردعية بحق المتهمين بالتورط في التلاعب بالعملة والإضرار بالاقتصاد. والثاني، إطلاق حملة موسعة لمكافحة الفساد على مستويات متعددة. وهو ما شدد على ضرورة المضي به المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي دعا إلى معاقبة من سماهم «المفسدين الاقتصاديين». كلام خامنئي أتى رداً على رسالة لرئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني، توجّه بها إلى خامنئي طالباً منه تغطية إجراءات «خاصة» على صعيد معاقبة «المخلين» المتماهين مع «الحرب الاقتصادية» على إيران، ومنع تخفيف العقوبات ضدهم. بدوره، وافق المرشد خامنئي على طلب لاريجاني، ودعا إلى معاقبة المتهمين «بسرعة وبشكل عادل».
دعا خامنئي إلى محاكمة المتهمين بالفساد بصورة علنية


وإثر رسالة لاريجاني وردّ المرشد عليها، خرج المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، أمس، مُعلِناً عن حملة اعتقالات ومنع من السفر وملفات قضائية، ومبدياً استعداد القضاء الإيراني للإقدام على خطوات تجاه الملف الاقتصادي تحظى بثقة المواطنين، وأهمها محاكمة المتهمين بصورة علنية، كاشفاً أن ردّ خامنئي على رسالة لاريجاني تضمّن طلب إجراء المحاكمات علناً. ولوّح المسؤول الإيراني باستعداد السلطات القضائية لتنفيذ أحكام الإعدام ضد «المفسدين الاقتصاديين» في بعض الحالات. وحذر من أن «انعدام ثقة الشعب وسوء استغلال العدو سيُوجِّهان ضربة إلى النظام بالتأكيد»، مُوجِّهاً تهديداً إلى السياسيين الإيرانيين باستدعاء القضاء لهم حال إدلائهم بتصريحات غير صحيحة حول الوضع الاقتصادي والمالي.
وأعلن إيجئي، أيضاً، أن السلطات اعتقلت 67 شخصاً جرى التحقيق مع عدد منهم، فيما تم منع أكثر من 100 شخص من أصحاب مناصب حكومية من مغادرة البلاد، وجرى فتح ملفات لـ25 شخصاً منهم، وإصدار لائحة اتهام بحق 26 آخرين. وإن كان إيجئي لم يدلِ بتفاصيل أكبر حول السياسيين الذين باتوا ملاحقين، إلا أن في الأرقام (100 شخصية) التي كشف عنها إشارات إلى توسّع حملة السلطات لتتخذ صورة مكافحة الفساد داخل صفوف الإدارات والسياسيين. وتردّد أن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، من بين الذين فُتِحت ملفات قضائية بحقهم. كما نقلت وسائل إعلام إيرانية، أمس، عن مجلس محافظة طهران، توقيف تسعة من أعضاء مجالس بلديات المحافظة، على خلفية قضايا تتعلق بقبول رشى، وكذلك إقالة ستة منهم من مسؤولياتهم بتهم تزوير شهادات الدراسة والخدمة العسكرية.