صعّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، موقفه من الولايات المتحدة، في تصريحات نشرت اليوم، قال فيها إن فرض عقوبات لن يجبر أنقرة على «التراجع»، وذلك بعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمعاقبة تركيا في حال لم تطلق سراح قس أميركي، فيما تشكّل هذه الحادثة فصلاً من فصول تراجع العلاقات بين البلدين، الذي كانت له أسباب مختلفة خلال العامين الماضيين، ليس آخرها سعي أنقرة لحيازة نظام الدفاع الروسي «أس 400». نقلت وسائل إعلام، اليوم، عن أردوغان قوله، إن الصداقة بين الولايات المتحدة وتركيا «على المحكّ» في هذا الخلاف، موضحاً أن تركيا لن تأخذ «خطوة للوراء عندما نواجه العقوبات... عليهم ألّا ينسوا أنهم سيخسرون شريكاً مخلصاً». تابع أردوغان للصحافيين خلال زيارة لجنوب أفريقيا أن «تغيير الموقف مشكلة ترامب، وليست مشكلتي»، واصفاً التهديدات الأميركية بـ«الحرب النفسية».
تأتي تصريحات أردوغان بعدما هدّد ترامب، الخميس، باتخاذ تدابير ما لم يطلق سراح القس أندرة برانسون، فيما أعلنت الخارجية الأميركية، أمس، أن وزير الخارجية مايك بومبيو ونظيره التركي مولود تشاويش أوغلو بحثا قضية برانسون. طالب ترامب بإطلاق سراح القس فوراً، محذراً من أن الولايات المتحدة ستفرض «عقوبات شديدة على تركيا لاعتقالها الطويل» لبرانسون.
لم يكشف ترامب عن الشكل الذي يمكن أن تتخذه العقوبات، لكن تهديداته تتزامن مع إقرار مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأميركي لتقييد القروض إلى تركيا من المؤسسات المالية الدولية، وافقت عليه لجنة برلمانية يوم الخميس الماضي وهي خطوة مبكرة مهمة لإقرار التشريع.

صفقة بين أنقرة وواشنطن؟
الخلاف الحالي يعود أصله إلى قرار وضع القس الأميركي، أندرو برانسون، رهن الإقامة الجبرية بعدما احتجز 21 شهراً في أحد السجون التركية، وهو قد عمل في تركيا لأكثر من 20 عاماً. برانسون متّهم بـ «مساعدة جماعة فتح الله غولن» التي تقول أنقرة إنها «وراء تدبير محاولة انقلاب عسكري في عام 2016». يواجه القس، الذي كان يشرف على كنيسة بروتستانتية في مدينة إزمير المطلة على بحر إيجه، السجن لمدة تصل إلى 35 عاماً في حال إدانته.
تصرّ تركيا من جهتها على أن محاكمة برانسون في تهم تتعلق بالإرهاب مسألة تقررها المحاكم فيما ينفي القس الاتهامات. وقد وصفته واشنطن بأنه «رهينة» وطالبت بالإفراج الفوري عنه وعن اثنين من موظفي القنصلية الأميركية المحتجزين، إضافة إلى موظف قنصلي ثالث رهن الإقامة الجبرية.
في الأثناء، أوردت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، تقريراً حول صفقة بين أنقرة وواشنطن للإفراج عن مواطنة تركية مسجونة لدى السلطات الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح برانسون. سُجنت التركية إبرو أوزكان (27 سنة) لأكثر من شهر في السجون الإسرائيلية بتهمة «نقل مئات الدولارات لمصلحة منظمة إرهابية»، لكنها عادت إلى تركيا في 16 تموز/ يوليو. وفق الصحيفة، فالاتفاق «اُبرم شخصياً» من جانب ترامب، لكنه انهار عندما تقرر وضع برانسون قيد الإقامة الجبرية. ردّ أردوغان على تقرير الصحيفة مؤكداً أن تركيا «لم تجعل القس برانسون أبداً ورقة مقايضة»، غير أنه قال إن أنقرة طلبت مساعدة واشنطن في ضمان عودة أوزكان.

خلافات عميقة
ليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها العلاقات الأميركية – التركية مرحلةً من الغموض، فهي قد توترت على خلفية عدد من القضايا منها دعم واشنطن لفصيل كردي سوري تعتبره تركيا «مجموعة إرهابية»، وعدم قيامها بتسليم الداعية فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا. في أيلول/ سبتمبر الماضي، ألمح أردوغان إلى أن تركيا يمكن أن تطلق سراح برانسون إذا قامت الولايات المتحدة بتسليم غولن، وهو ما رفضته واشنطن. تفاقمت الأزمة عندما احتجزت السلطات التركية موظفين بالقنصلية الأميركية بزعم صلاتهم بمحاولة الانقلاب عام 2016.
في وقتٍ سابق من هذا العام، حذّر أردوغان من أن الجنود الأميركيين قد يقعوا في مرمى نيران أي عمل عسكري تركي ضد المقاتلين الأكراد قرب مدينة منبج، مع تمركز القوات الأميركية إلى جانب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا.
كذلك، ازداد التوتر عندما هدّدت الولايات المتحدة في حزيران/ يونيو بمنع تسليم طائرات شبح طراز «أف-35» لتركيا في حال اشترت أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس-400». غير أن أردوغان قال إن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك، مؤكداً أن بلاده ستسعى للتحكيم الدولي في حال لم تسلّم واشنطن الطائرات.
في توصيات للباحث نايت شنكان في مركز أبحاث «فريدوم هاوس» في شأن استراتيجية التعامل مع «تركيا الجديدة»، يتساءل ما إذا كان إبقاء تركيا في الغرب «هدفاً منطقياً»، إذ لم يعد واضحاً ما إذا كانت «أنقرة لا تزال ترى حلف شمال الأطلسي كحجر زاوية لأمنها». تابع شنكان أن قيمة تركيا كشريك للولايات المتحدة هو أمرٌ يعتمد على «مقاربة أنقرة لهذا التحالف»، مضيفاً أن على واشنطن مواصلة تحذير تركيا من نتائج استملاك «أس 400» وسجنها لمواطنين وموظفين أميركيين. اعتبر شنكان أن هناك عنصرين يجب النظر إليهما، الأوّل وقف بيع طائرات «أف 35» لأنقرة إذا ما حازت على نظام «أس 400»، وثانياً فرض عقوبات ثانوية على أنقرة بناءً على «قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات» الذي فرضت من خلاله واشنطن عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا، إذا ما اختارت شراء «أس 400».
من أسباب التوتّر أيضاً، حكم بالسجن 32 شهراً بحق نائب المدير العام للمصرف الحكومي التركي «خلق بنك»، محمد هكان أتيلا، المدان بـ «التخطيط لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية» على ما قيمته مليارات الدولارات من عائدات النفط الإيراني، فيما يؤكد المسؤولون الإيرانيون أن أتيلا بريء، لكن «خلق بنك» لا يزال يواجه فرض عقوبة من الخزانة الأميركية.