غليزي هوفمان، أو المرأة الحديدية، شاء لها القدر قبل نحو عام أن ترأس حزب العمّال البرازيلي في أصعب الأيام: الرئيسة العمّالية ديلما روسيف أُزيحت عن الحكم بانقلاب، فيما زعيم الحزب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، سجين (سياسي) بتهم فساد واهية، والحرية ممنوعة عنه. الشارع لا يزال حليفاً، بل هو السند الأبرز... فلا تهاب حرب الإلغاء التي تتعرض لها، ولا تتراجع في الدفاع عن «القائد التاريخي»، ولا تضعف أمام «تكتّل الإلغاء».
بوضوح، ليست لدينا خطة بديلة. مرشحنا ومرشح الشعب شخص واحد فقط: لولا دا سيلفا (عن الويب)

وفي مجلس الشيوخ الذي تنتمي إليه، هي من بين قلائل يتقنون تحويل المنبر إلى مساحة للتحدي ولفضح ممارسات التعسف، فلا تهادن ولا تتورع عن الإشارة بإصبعها إلى المتجاوزين، قضاة كانوا، أو سياسيين، أو قيادات أمنية. وحده رفضها للاستلام في هذه المعارك المستمرة، يجعلها تؤمن بأنّ المستقبل لن يتسامح مع الظلم والفساد، وبأنّ «الغد لا يزال وعداً». على الرغم من انشغالها المتواصل وتصديها لثقل المسؤولية، تقطع هوفمان جلسة مجلس الشيوخ لتتحدث إلى «الأخبار» في أول لقاء مع صحيفة عربية منذ توليها رئاسة حزب العمّال، وتبدأ المقابلة بـ«شكر من القلب على هذه التغطية المتميزة»، متوجهة بالشكر أيضاً إلى «الجالية العربية في البرازيل المتعاطفة مع قضية الزعيم لولا دا سيلفا، وهي لا تترك فرصة من دون أن تعلن تضامنها وتأييدها... (وبالشكر) إلى الشعب اللبناني الصديق والمحب».

في خطابك الأخير أمام مجلس الشيوخ، تحدثتِ عن الأزمة التي تعيشها البرازيل، وهي أزمة تفوق الاقتصاد والسياسة وتطاول القضاء والأمن، وهو ما ظهر جلياً يوم الأحد الماضي (راجع الكادر أدناه). كيف يمكن لحزبكم مصارعة هذه الأزمات المتراكمة؟ وما هي خطواتكم المقبلة؟
في البداية، نسعى إلى توعية المجتمع البرازيليّ حول حقيقة ما يجري في البلد. الآلام التي يتحسسها الشعب البرازيلي اليوم من البطالة وغلاء الأسعار، انخفاض الدخل، انعدام الفرص، كل هذا التراجع الذي نشهده اليوم هو ثمرة الإنقلاب (صيف 2016) الذي أطاح بآمال الشعب. لقد أطاحوا بالرئيسة ديلما روسيف وأدخلوا لولا دا سيلفا إلى السجن كي يُعيدوا البرازيل إلى زمن الإقطاع والتحكم، لذا فإنّ معركة تحرير الزعيم دا سيلفا (الذي يتصدر استطلاعات الرأي الخاصة بالاستحقاق الرئاسيّ المقبل) هي معركة استعادة حقوق الشعب البرازيليّ.
لا ينتابني أي شكّ بأن ما حصل يوم الأحد الماضي يأتي ضمن مسار التعسّف ذاته، لأنّ مواجهة قرار قضائيّ شرعيّ يجب أن تتم عبر الأطر القانونية، كالاستئناف مثلاً، وليس عبر تمرد إداريّ من قاضٍ ترتيبه أدنى من صاحب القرار، فيتآمر مع الشرطة الفيدرالية لتأخير تنفيذ قرار إخلاء السبيل وانتظار تعطيله.
لو لم يكن لولا مرشحاً للرئاسة ويملك كل الحظوظ، لما اعتُقل


إنّه لأمر معيب أن يُتلاعب بالدستور بهذه الطريقة، وهذه ليست المرة الأولى التي تُخرق فيها القوانين في قضية لولا. أسأل: ما الذي يبرر اقتحام منزل لولا عند الفجر واستخدام الأسلحة الثقيلة ومروحية لنقله من المطار حتى يدلي بشهادته؟ علماً أنّه لم يتخلف يوماً عن الحضور للشهادة، وكان يمتثل دوماً للقرارات القضائية. أيضاً، بأيّ حق منعوا لولا من التوزير في حكومة ديلما روسيف السابقة وهو لم يكن على ذمة أيّ قضيّة؟ وكيف لهم أن يسربوا اتصالات للرئيسة السابقة ديلما روسيف وهي تعرض على لولا التوزير ومن ثم تشويه المعنى لمنع هذا الأمر؟ ألم تروا كيف تداعوا بشكل سريع لسجن لولا عابرين فوق كل الأطر القانونيّة وغيرها من المخالفات التي لا تحصى في هذا الملف، مثل المنع من الحرية، تزوير الحقائق، الحرمان من الحقوق السياسيّة وعمل كل شيء لمنعه من الترشح لرئاسة الجمهورية؟

هل تعتقدين أنّ كلّ ما ذكرتيه عن الملاحقة والمحاكمة للسيّد دا سيلفا هو من أجل منعه من أن يكون رئيساً للبرازيل من جديد؟ بمعنى أوضح، لو تخلى عن الترشح، هل سيُبرأ من كل هذه الاتهامات؟
ستظهر براءة لولا في كل الأحوال وإذا تعامل القضاء بشفافية وعدالة، لأنّ ملفه إذا قُرئ بشكل موضوعيّ ومن دون نوايا سيئة فإنّه فارغ تماماً، لا إثبات يدينه، وهو نفسه الملف الذي حاولوا إلصاقه بي على مدى سنوات أربع وتبيّن لاحقاً أنه يحوي مجرد روايات مختلقة.
الذي يحصل الآن هو أنّ النافذين في المؤسسات القانونيّة يستخدمون السيناريو نفسه كي يستفيدوا من الوقت ويُعطّلوا ترشيح دا سيلفا للرئاسة. إنّي متأكدة أنّه لو لم يكن مرشحاً للرئاسة ويملك كل الحظوظ للفوز كما تشير استطلاعات الرأي، لما أُوقف واعتُقل.
يعلمون جيداً أنّ لولا مرشح قويّ، ولو أتيح له أن يتحرك بحرية لفاز في الدورة الأولى بكل تأكيد.

السيدة غليزي، كما تعلمين فإنّ قرار القاضي روجيريو فافريتو كلّفه الكثير، فقد أُحيل إلى المجلس التأديبيّ القضائيّ وتعرض لحملة إعلامية شعواء، إضافة إلى تهديدات له ولعائلته. بالتالي، السؤال هو: من سيتجرأ بعد فافريتو على تبرئة لولا، خصوصاً بعدما رأى ما حدث لسلفه؟ ألا تعتقدين أن الأمور باتت بالغة التعقيد؟
لستُ ممن يستسلمون لليأس. طالما أنّ هناك خيطاً رفيعاً يمكن التمسك به من أجل تحقيق العدالة، فإنّ أملنا سيبقى ولن نفقد الثقة في المؤسسات القضائيّة، ونعلم أن هناك شرفاء لن يترددوا في تحقيق العدالة بالسرعة المطلوبة.
صحيح ما قلتَ لناحية أنّ ما حدث يوم الأحد الماضي ومحاولة إنزال العقاب بالقاضي فافريتو يُضعف القضاء ويشكك في نجاعته وصدقيته، لكننا سنراهن على قوّة الحقّ في هذه المؤسسة.

عدد من وسائل الإعلام البرازيليّة اتهمت حزب العمّال بأنه اختار توقيت تقديم الاستئناف حين كان يوجد قاضي مناوبٌ في محكمة التميّيز ولديه علاقات جيدة مع الحزب، وهو كان منتمياً إلى الحزب على مدى عشرين عاماً. كيف تردّون على هذا الاتهام؟
هذا هراء! القاضي كان منتمياً إلى حزب العمّال سابقاً، فيما للقاضي سيرجيو مورو علاقاته مع الحزب الاجتماعيّ اليمينيّ وكثير من القضاة لديهم علاقات حزبية سابقة، وفي المحكمة العليا هناك قضاة كانوا ينتمون إلى حزب العمّال. لذا، لا علاقة لهذا الأمر بالقرار الذي أصدره القاضي فافريتو، فهو قرأ الملف وحكم بناءً على المعطيات القانونيّة، بينما هم الذين لم يتعاطوا بالأطر القانونيّة. إنّ أيّ عقاب سيتعرض له القاضي فافريتو يجب أن يتعرض له الآخرون أيضاً، إذ ليس من العدل أن يُحاسب قاضٍ دوناً عن سواه.

السلطة التي استطاعت منع الحرية عن لولا، أليست قادرة على منعه من الترشح؟ ألا تعتبرين أنّ حظوظ دا سيلفا في الاستمرار في ترشيحه، أمر شبه مستحيل؟
سنقاتل حتى آخر لحظة من أجل الاستمرار في هذا الترشيح وانتخاب لولا رئيساً للجمهورية. هذا عهدنا أمام الشعب البرازيليّ، ولسنا ممن يقبل بالهزيمة قبل وقوعها. لدينا الكثير من الأوراق والكثير من الوقت لنُنظم خياراتنا، ونحن نعمل بجدية تامة وقناعة راسخة لتثبيت خيارنا وخيار الشعب البرازيليّ. حتى بما يخص قضية السجل العدليّ النظيف الذي يلوّح به خصومنا، نحن نعمل الآن على حلها قانونياً، إذ لا نرى أي أسباب دستورية تمنع الترشح. لقد جمعنا عدة حالات مشابهة ونحن نحاجج القضاء بها، فهو نفسه من سمح لهذه الحالات بالاستمرار في الترشيح. سنقاتل بكل قوّتنا من دون تردد ليتحقق ذلك.

هل تحضّر حزب العمال للمرحلة المقبلة آخذاً في الاعتبار احتمال استحالة استكمال ترشيح دا سيلفا؟ وهل اتفق الحزب على مرشح بديل أو دعم مرشحاً آخر من حزب حليف في حال رفضت المحكمة الانتخابيّة ترشيح دا سيلفا؟
بوضوح، ليست لدينا خطة بديلة، ولا مرشح آخر. مرشحنا ومرشح الشعب البرازيليّ شخص واحد فقط: لولا دا سيلفا.

من هم حلفاء حزب العمّال اليوم في البرازيل؟
لدينا قاعدة تحالفات واسعة وقوية. (على رغم أنّ) تحالفاتنا ليست بالضرورة مجمعة على تأييد ترشيح لولا، ولكنهم يشاركوننا بقضية حقه في الترشح. نحن نتحدث عن أحزاب كبيرة ومحترمة، الحزب الاشتراكيّ الديموقراطيّ، حزب العمل الديموقراطيّ، الحزب الشيوعيّ، وغيرها من الأحزاب الرافضة لهذه التجاوزات. كما انضم إلينا عدد كبير من القانونيّين وناشطي المجتمع المدنيّ، ومن الإعلاميّين والفنانين والموسيقيّين والأساتذة، ولدينا الكثير من التضامن المحليّ والدوليّ، وهذا ما يعطينا دفعاً قوياً.

كنتِ من القلائل الذين التقوا لولا دا سيلفا في السجن، كيف تصفين لنا وضعه داخل الزنزانة؟
يشعر لولا بالظلم، لكنه ثابت وقويّ. أخبرنا بأنّ نضاله من أجل شعبه يستحق كل هذا العناء. لولا قائد قويّ يستمد قوته من عزيمته وحبّه لشعبه. بالنسبة له، ليس مهماً أن يكون سجيناً من أجل حرية شعبه، بل يُفضّل ذلك على أن يكون حراً فيما شعبه مسجون.

في جدال حصل مع عضو مجلس الشيوخ آنا إميليا، قلتِ إنّ السياسة الخارجية البرازيلية مرهونة للإدارة الأميركية. هل تعتقدين أن للولايات المتحدة الأميركية يداً في الانقلاب على الرئيسة السابقة ديلما روسيف؟
بالتأكيد! إنّ الانقلاب الذي أطاح السيّدة ديلما روسيف حصل بدعم الإدارة الأميركية ويتغذى منها. دعم تقاضت مقابله الإدارة الأميركية رهن سياستنا الخارجية لسياساتها، وآخر الاستدلالات على ذلك هو الموقف البرازيلي الذي تماهى مع الموقف الأميركي حول عدم الاعتراف بشرعية رئيس فنزويلا وحكومتها، وهذا لا يتوافق مع مصالح بلدنا الذي يحتاج إلى أفضل العلاقات مع الجيران.

لدينا الكثير من الأوراق والكثير من الوقت، وسنقاتل بكل قوانا


كما السياسة الخارجية، رهنت حكومة الانقلاب أيضاً اقتصاد البلاد للأميركيين، وهذا ما بدا جلياً من خلال رفع استيراد الديزل من الولايات المتحدة بنسبة مئة في المئة، وفي الفترة الأخيرة بيعت أسهم شركة «أمبراير» للطيران الحكومية لشركة «بوينغ».
وبناءً عليه، لا ينتابنا شك في أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة حقيقية في كل هذا التدهور السياسي والاقتصادي والسياسي البرازيلي.

أخيراً، هناك تعاطف كبير من اللبنانيّين مع قضية لولا دا سيلفا، وقد نشرت جريدتنا رسالة الزعيم اليساريّ الأسبوع الماضي مترجمةً، وحصلت هذه الرسالة على دعم كبير من أكثرية اللبنانيّين. هل من رسالة لهؤلاء المؤيدين عن بعد؟
أقول للشعب اللبنانيّ المحبّ أن يشاركنا الأمل، فالتاريخ يتحدث عن أنّ كل زعيم قاتل من أجل مصلحة شعبه والقضايا العادلة في العالم يتعرض للملاحقة. كلما حملنا راية الفقراء والمضطهدين، واجهتنا قوى رأس المال والهيمنة. قضيتنا معكم واحدة. أنتم اختبرتم هذا الظلم والعدوان من الغرب، وعلينا أن نقف بصلابة وقوة وإرادة معاً، وأؤكد لكم أن لولا وحزبه وشعبه يلاقيكم بالمحبة والاحترام. شكراً لكم ولجريدة «الأخبار»، لتعاطفكم وعملكم الدؤوب من أجل الحقيقة.



يوم الأحد الطويل


يوم طويل عرفته البرازيل الأحد الماضي. روجيريو فافريتو (الصورة)، وهو قاضي التمييز المناوب بدلاً من سيرجيو مورو الذي يقضي إجازته في البرتغال، يوقّع شهادة إخلاء سبيل بحق الزعيم المسجون لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ويأمر السلطات الفيدرالية بالامتثال الفوري.
جنّ جنون السلطات فتحرّك الجميع لشطب القرار وإلغائه. بدايةً، سارع القاضي سيرجيو مورو، إلى إعلان عدم التزامه القرار القضائي، في سابقة لم تُسجَّل في تاريخ البرازيل الحديث. وبعد كثير من الارتباك في صفوف الحكم، سعى قاضٍ آخر، هو جواو جبران نيتو، إلى إلغاء قرار زميله، لكن قراره فَضَحَ كل العملية القضائية.
استمرّ الارتباك وفي الأثناء أصدر فافريتو قراراً ثانياً وثالثاً يؤكدان وجوب إطلاق سراح دا سيلفا فوراً. لكنّ الحرية ممنوعة على الأخير، وعند الساعة السابعة مساءً امتثل رئيس محكمة التمييز تومبسون فلوريس، للضغوطات الهائلة، فتوجه إلى مبنى المحكمة في شكل يشبه الاستدعاء، وأصدر حكماً أبطل فيه الحكم القضائي مكرّساً بذلك سجن الزعيم العمّالي.