تستنفر إيران نفسها في مواجهة تصاعد الحرب الاقتصادية الأميركية. حربٌ بلغت ذروتها أمس، مع تدشين واشنطن حملة تستهدف كفّ دول العالم عن شراء النفط الإيراني والتزام العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية. هدف الخطوة الأميركية تعويض ضعف العقوبات؛ لكونها هذه المرة صادرة عنها أُحادياً وليست بموازاة عقوبات ملزمة صادرة عن مجلس الأمن كما كان عليه الحال قبل الاتفاق النووي. فضلاً عن ذلك، لوّحت واشنطن أمس بأنها لن تعطي أي استثناء للدول، مشابه لما جرى عام 2016 حين منحت الولايات المتحدة استثناءات لعدة دول آسيوية. وأحدث تسريب الخارجية الأميركية نيتها فرض عقوبات على الدول التي تستمرّ في شراء النفط الإيراني بعد دخول العقوبات حيز التنفيذ، تأثيرات في أسواق النفط التي صعدت قليلاً أمس بفعل عوامل من بينها التصعيد الأميركي. لكن صعود الأسعار لا يناسب الأميركيين أيضاً، ما يجعلهم يركزون على رفع الإنتاج من خلال الضغط على حلفائهم الخليجيين في هذه المرحلة. ووفق مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، سيزور وفد أميركي الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، لحثّ المنتجين الخليجيين على تعويض النفط الإيراني.وفي أول رد فعل للمسؤولين الإيرانيين على المشروع الأميركي لشلّ سوق النفط الإيرانية، رأى مسؤول في قطاع النفط أنّ من المستحيل إخراج النفط الإيراني من السوق العالمية، فإيران «تصدّر إجمالاً كمية قدرها 2.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات، والتخلص منها بسهولة في غضون أشهر قليلة مستحيل». وفي أول الردود الخارجية على المساعي الأميركية، أكد وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، أمس، أن أنقرة «لا تعتبر نفسها ملزمة بالامتثال لمساعي الولايات المتحدة»، وستعمل على ضمان «عدم تضرر البلد الشقيق» من الخطوة الأميركية.
وفي طهران، تنشغل الأوساط السياسية بالمعضلة الاقتصادية والمالية، التي استحالت أزمة سياسية بفعل الاحتجاجات والانتقادات المُوجّهة إلى حكومة الرئيس حسن روحاني في تعاطيها مع أزمة العملة. أزمة لا يمكن فكاكها عن المواجهة الخارجية مع الولايات المتحدة، التي لا تخفي رهانها على انعكاس العقوبات تململاً في الشارع الإيراني وضعفاً في المنظومة الحاكمة. الإفصاح عن هذا الرهان جدد التعبير عنه، أمس، وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، من خلال دعم المحتجين على انهيار العملة، متجاهلاً أن قرار حكومته بعودة العقوبات سبب رئيس لما يعانيه الشارع الإيراني. فبحسب بومبيو، الشعب الإيراني «يطلب أن يشاركه قادته ثروة البلاد، ويلبوا حاجاته المشروعة». وأشاد الوزير الأميركي بالمحتجين الإيرانيين، قائلاً إن «العالم يسمع أصواتهم» ضد الحكومة التي اتهمها بـ«الفساد والظلم وعدم الكفاءة». وتابع بومبيو: «تهدر الحكومة الإيرانية موارد المواطنين من خلال مغامراتها في سوريا ودعمها لحزب الله وحماس والحوثيين» في لبنان وغزة واليمن، «أو طموحاتها لتطوير غير مبرر لبرنامجها النووي».
دعا خامنئي السلطة القضائية إلى معاقبة «المخلين بالأمن الاقتصادي»


داخلياً، يبدو أن التيارات السياسية تحاول الموازنة بين مجابهة الأميركيين في حربهم الاقتصادية والظهور مُوحّدة أمام الخارج من جهة، ومن جهة أخرى الضغط على الحكومة لإحداث تغييرات في عملها أو فريقها لصوغ سياسات تتناسب وحجم المواجهة. وبدا لافتاً أمس ما نقلته وكالة «أنباء فارس» عن الجنرال في الحرس الثوري، يحيى رحيم صفوي، الذي دعا إلى دعم الحكومة، وقال إن «من واجبنا جميعاً أن نعمل معاً لمساعدة حكومتنا الموقرة وبقية الفروع الحكومية في حل المشكلات الاقتصادية»، مضيفاً: «يجب أن نحبط خطط العدو للحرب الاقتصادية والعمليات النفسية». دعوة صفوي جاءت بالتوازي مع دعوة وجهها المرشد الأعلى، علي خامنئي، إلى السلطة القضائية لمعاقبة «المخلين بالأمن الاقتصادي»، بعد أيام من تصاعد أزمة العملة الوطنية وهبوط سعر صرفها إلى أرقام قياسية.
لكن دعم مختلف أقطاب النظام الإيراني وتياراته لحكومة روحاني، والتوحد بوجه المواجهة الخارجية، لا يعنيان خفوت الأصوات المنتقدة، وإن كان من غير المتوقع أن يكون ثمة صدى لمن يدعو روحاني وحكومته إلى الاستقالة. فالمرجح حتى الآن أن يستجيب روحاني لدعوات برلمانية إلى تغيير فريقه الوزاري المعني بالملف الاقتصادي، وفق ما طالبه أمس 187 نائباً من أصل 290 في رسالة مشتركة. وبالفعل، تقدمت أمس الأنباء بشأن إمكانية إقدام روحاني على إجراء تعديل وزاري، ونقلت وكالة «مهر» عن رئيس مكتب روحاني، محمود واعظي، أن الرئيس بصدد إعلان إجراء تعديلات وزارية في تشكيلته الحكومية، التي «ستنضم إليها وجوه جديدة تكون أكثر شبابية». وعلى الفور، سرت تسريبات نشرتها مواقع إيرانية عن أن التعديل المقبل سيطاول كلاً من وزير الاقتصاد ومحافظ البنك المركزي، وهو ما لم يؤكَّد رسمياً بعد. وكان الرئيس روحاني قد أدلى بتصريح، أمس، رفض فيه استقالة الحكومة، وقال إن «الحكومة لن تستقيل ولن تخاف ولن تتراجع، ومن يظن ذلك فهو واهم»، داعياً نخب المجتمع الإيراني إلى دعم الحكومة. وتوجه روحاني إلى الإدارة الأميركية بالقول: «لن نستسلم أمام أميركا ولن نخضع لها... على الجميع أن يعلم أننا لن نتفاوض على عزتنا وكرامتنا وديننا».