أقرّت دول الاتحاد اليوم بأنها لا تزال بعيدة عن التوصل إلى تسوية للخروج من المأزق المتعلّق بإصلاح نظام اللجوء الأوروبي، إذ لم يخفِ وزراء داخلية التكتل المجتمعون في لوكسمبورغ تشاؤمهم، رغم الاقتراح الذي تقدّمت به بلغاريا التي تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد، وترى أنه يراعي التطلعات المتناقضة لمختلف الدول الأعضاء.رغم تراجع عدد المهاجرين الواصلين إلى السواحل الأوروبية بشكل ملحوظ، إلا أن الأوروبيين لا يزالون يتعثرون أمام إصلاح «تسوية دبلن» (قانون أوروبي اعتمد عام 2003 متعلق بطالبي اللجوء ينص على أن دول الوصول هي الأولى باستقبال طلبات اللجوء)، لتفادي أن تظلّ الدول التي تشكّل محطات الوصول الأولى تتحمّل عبء الهجرة من دون تكافل الدول الباقية.
من المقرّر أن يستمع الوزراء إلى اقتراحات جديدة من بلغاريا حول كيفية إنهاء الخلاف بين الشرق والغرب حول الإصلاحات قبل قمة الاتحاد المقرّرة يومي 28 و29 حزيران/ يونيو الجاري في بروكسل. لا تزال عدة دول من شرق أوروبا، في مقدمتها بولندا والمجر، تعارض بشدة أي إجراء شبيه بحصص توزيع طالبي اللجوء التي أثارت انقساماً كبيراً داخل التكتل بين 2015 و2017. في المقابل، ترى دول على غرار إيطاليا واليونان (أبرز دولتين في الاتحاد الأوروبي يصل إليهما اللاجئون أولاً) أنه لا بد من توزيع أكثر إنصافاً للوافدين.

موقف إيطالي واضح
تزامناً مع لقاء لوكسمبورغ، تعهّد رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، جوزيبي كونتي، اليوم، بتغيير جذري في البلاد، في إطار سعيه للحصول على دعم برلماني لحكومة مناهضة للمؤسسات تعتزم تحدّي قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن الموازنات والهجرة.
في كلمته أمام مجلس الشيوخ، قال كونتي إنّ بلاده تريد نظاماً «تلقائياً» و«إلزامياً» لإعادة توزيع طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي. طالب كونتي «بقوّة بتجاوز تسوية دبلن من أجل الحصول على احترام فعلي لتقاسم عادل للمسؤوليات ولإيجاد أنظمة تلقائية لإعادة إيواء إلزامية لطالبي اللجوء».
كان وزير الداخلية الإيطالي الجديد، ماتيو سالفيني، الذي لم يتوجه إلى لوكسمبورغ، حذّر بدوره، قبل يومين، من أن إيطاليا وصقلية «لا يمكن أن تصبحا مخيم اللاجئين في أوروبا»، مبدياً معارضته للوضع الحالي للمفاوضات حول إصلاح نظام اللجوء.

مراجعة العقوبات على روسيا

أعرب رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي عن تأييد بلاده «مراجعة» العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الأسرة الدولية على روسيا. تابع كونتي بالقول إن حكومته ستدعم «انفتاحاً على روسيا التي عزّزت في السنوات الأخيرة دورها في العديد من الأزمات الجيوسياسية»، وتشكل شريكاً اقتصادياً مهماً للمؤسسات الايطالية. تحاول إيطاليا منذ فترة الحصول داخل الاتحاد الأوروبي على رفع تام للعقوبات عن روسيا أو على الأقلّ تخفيفها. إلّا أن كونتي شدّد على «الانتماء عن اقتناع إلى الحلف الأطلسي»، وقال إن «علينا أن نشدّد قبل كل شيء على انتماء بلادنا عن اقتناع إلى حلف شمال الأطلسي وأن الولايات المتحدة شريك مميّز».


يعارض كونتي سياسات الاتحاد الأوروبي في مضامير أخرى أيضاً، فقد أكد أن بلاده تعتزم خفض دَينها العام الضخم، لكن عبر النمو وليس من خلال إجراءات التقشف. شدّد في كلمته على أنه لا بد من تقليص الفارق في النمو بين إيطاليا وأوروبا، مضيفاً أن «هذا هو هدفنا».

النقاش الأوروبي
المواقف الأوروبية بشأن تسوية أزمة اللاجئين لا تزال متفاوتة؛ فقد رأت وزيرة الهجرة السويدية هيلين فريتزون، اليوم، أن هناك حاجة للتوصل إلى تسوية، لكن «الأجواء السياسية الأكثر تشدداً حالياً تعقّد الوضع»، في إشارة إلى الحكومة الجديدة في ايطاليا.
بدوره، صرّح وزير الدولة الألماني، شتيفان ماير، أنّ بلاده ستنتظر «الموقف الذي ستتخذه إيطاليا»، مضيفاً أنه «في دول أخرى هناك معارضة أشد»، وأعطى مثالاً دول «فيسغراد» (بولندا والمجر وجمهورية تشيكيا وسلوفاكيا)، ودول جنوب أوروبا.
تابع ماير أنه «حتى الحكومة الألمانية تنتقد نقاطاً معينة في الوضع الحالي للمفاوضات»، مؤكداً أن اقتراح التسوية الذي تقدّمت به الرئاسة البلغارية بعد أشهر من العمل «غير مقبول».
يتضمّن النص البلغاري إجراءات لتوزيع طالبي اللجوء في دول الاتحاد كما تطالب بذلك أثينا وروما، رغم المعارضة المباشرة لوارسو وبودابست اللتين تعتبران أن من غير الوارد أن يفرض عليهما استقبال أجانب، وتشددان على أن الحصص المثيرة للجدل التي تم تطبيقها في 2015 لم تؤدِ سوى إلى إعادة توزيع أقل من ربع 160 ألفاً كان يجب توزيعهم في الأساس.
ينص الاقتراح البلغاري أيضاً على عدم اللجوء إلى «إعادة الإيواء» الإلزامي إلّا كحلّ أخير في حال لم تكفِ إجراءات أولية تقوم على تقديم دعم مالي وفني، والتي يتم العمل بها بشكل تلقائي في فترات الأزمات. سيتطلب الأمر عندها تصويتاً بـ«الغالبية الموصوفة» للدول الأعضاء.
بدورها، لا تزال مجموعة «فيسغراد» تعتبر التوزيع المقترح عبئاً ثقيلاً، وهي تحظى في موقفها بدعم من فيينا، بينما ترى الدول التي تطالب بتقاسم أعباء الاستقبال بشكل دائم وليس في فترات الأزمات أن هذا الإجراء غير كافٍ.
تدافع برلين وباريس عن فكرة أن تظلّ مسؤولية طلب اللجوء أساساً لدى بلد الوصول، ما عدا في فترات الأزمات، وعندها لا بد من القيام بـ«إعادة إيواء» قسري في إطار إجراءات «التضامن».
تفرض التسوية التي اقترحتها بلغاريا من جهة أخرى قيوداً على دول الوصول من أجل تسجيل الوافدين. من المفترض أن تظل مهلة مسؤولية معالجة طلب اللجوء بعد تحديدها لمدة ثماني سنوات، وهي مدة تعتبرها دول الجنوب طويلة جداً، بينما ترى دول أخرى، من بينها ألمانيا، أنها قصيرة، إذ تريد التصدي «للتحركات الفرعية» لطالبي اللجوء بين دول الاتحاد.