يرى العالم نفسه أمام مرحلة جديدة غير معلومة الملامح سيحدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء اليوم، في الخطاب الذي سيلقيه ليعلن فيه قراره بشأن مصير الاتفاق النووي مع إيران. قد يُعلن الانسحاب، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً، نظراً للتصريحات الصادرة عنه وعن مسؤولي إدارته. وفيما من المنتظر أن يُدلي بدلوه عند الساعة التاسعة مساءً، فقد استُبق هذا الحدث بتصريحات جديدة صادرة عن الجانب الإسرائيلي والأوروبي، تؤكّد أن ترامب اتخذ قراره، ولا مجال للتراجع عنه. أوروبياً، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين كبار هذه الأجواء، وقد أشار هؤلاء إلى أنهم فشلوا في إقناع ترامب بأن «تنصّل الولايات المتحدة من التزامها بالاتفاق، يمكن أن يضع الغرب في مواجهة جديدة مع طهران». هم يدركون تماماً أنهم لا يمكنهم الخروج عن القرار الأميركي، خوفاً من أن تطالهم العقوبات الأميركية في حال واصلوا العمل بالاتفاق مع إيران. أحد المسؤولين الأوروبيين الذين شاركوا، بشكل كبير، في محاولة إقناع ترامب بالبقاء في الاتفاق، قال للصحافيين، إن فرصة إبقاء ترامب على الاتفاق سليماً «ضئيلة جداً».
هذا الدبلوماسي، أشار إلى أنه «من الواضح جداً» أن ترامب لن يتنازل، بعد الآن، عن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، الأمر الذي كان يقوم به منذ بدء رئاسته، بهدف الحفاظ على الاتفاق النووي.
بناءً عليه، يقول الأوروبيون إنهم بدأوا يتعايشون مع واقع جديد الآن، «حيث التجارة الأساسية مع إيران ستموت». كذلك، أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي وكالة «فرانس برس» بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «مقتنع بأننا نتجه نحو قرار سلبي»، مشيراً إلى أن باريس تستعد، الآن، «لخروج جزئي أو كامل».
ماكرون: باريس تستعد، الآن، «لخروج جزئي أو كامل» (عن الويب)

خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، سافر مسؤولون فرنسيون وبريطانيون وألمانيون إلى واشنطن من أجل التشديد على أن الخروج من الاتفاق سيكون خطأً دبلوماسياً.
أحد هؤلاء، وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، الذي كتب مقالاً أول من أمس في صحيفة «نيويورك تايمز»، طالب فيه بعدم تمزيق الاتفاق النووي. ووفق الصحيفة ذاتها، ففي منتصف نهار الإثنين، شهدت زيارة جونسون لحظاتها الأخيرة، إذ« قيل له إن القرار كان محسوماً»، على حدّ تعبير عدد من المسؤولين.
من جهة أخرى، يعبّر الأوروبيون عن مخاوفهم من أن الخروج من الاتفاق سيشجّع إسرائيل في نزاعها مع إيران وسوريا ولبنان، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب دموية أخرى.
أميركياً، لا تختلف الأجواء أبداً، فقد أكد روبرت مالي المستشار السابق للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حول الاتفاق النووي، أن لا شكوك لديه بأن ترامب «سيلغي» هذا النص الذي عمل سلفه الديموقراطي من أجل التوصل إليه.
وصرح مالي، الذي يترأس «مجموعة الأزمات الدولية»، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» في واشنطن، بأن «على الأوروبيين، الآن، العمل بحيث تبقى ايران في الاتفاق، إذا أرادوا إنقاذه بالفعل». إلا أن مالي قال رداً على سؤال: «إما أن ينسحب ترامب أو يظل في الوقت الحالي، ويرجئ قراره بالانسحاب مع مطالبة الأوروبيين في الوقت نفسه بتشديد شروط الاتفاق. وذلك من شأنه أن يزيد الغموض الحالي الذي لا يشجع أبداً المستثمرين في إيران».
«لن يكون من الممكن الحفاظ عليه»، قال الدبلوماسي الأميركي السابق آيرون ميلر، الذي يعمل حالياً باحثاً في معهد «ويلسون»، مضيفاً أنه «مهما كان قرار ترامب، فإنها بداية نهاية الاتفاق...».

إسرائيلياً: ترامب سيفعلها!
قد يكون الواقع قد ظهر على نحو أفضل على لسان وزير الاستخبارات والطاقة الذريّة الإسرائيليّة، يسرائيل كاتس، الذي لم يستطِع المحافظة على صمته. هو بخلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قال صراحة إن الرئيس الأميركي «سينسحب من الاتفاق النووي مع إيران»، داعياً دول العالم إلى الاحتذاء بواشنطن.
أما نتنياهو، فقد قطع زيارته لموسكو، عائداً من قبرص على عجل، تجهّزاً لإعلان ترامب، بشأن الاتفاق النووي. وبالرغم من أن نتنياهو وترامب أجريا محادثة هاتفية، أفصح فيها الأخير عمّا سيفعله مساء اليوم، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي فضّل المغادرة إلى نيقوسيا، من دون كشف «السر» أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية.
ولكن على خلاف نتنياهو، قال كاتس، صراحة، إن «ترامب سينسحب اليوم من الاتفاق النووي المُبرم مع إيران»، مُثنياً على «الطريق الصحيح» الذي قد يختاره ترامب لتعزيز «سياسة الحد من النفوذ الإيراني». ودعا كاتس دول العالم إلى السير على خطى الإدارة الأميركية بتعاملها مع إيران، قائلاً إنه «يجب على العالم الاتحاد ضد إيران، كما فعل في مواجهة كوريا الشمالية، حتى الإلغاء الكامل للمشروع النووي، وإلغاء تطوير الصواريخ الباليستية ووقف التوسع الإيراني في المنطقة، والذي ارتفع وتعزز بانتصار حزب الله في الانتخابات البرلمانية اللبنانية».
أمّا عن تلويح إيران بالعودة إلى برنامجها النووي، فرأى كاتس أنها «غير مجدية»، مضيفاً أنه «إذا عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم، فسوف تجد نفسها تواجه تهديداً خطيراً يتمثل بشن هجوم مباشر من الولايات المتحدة ودول أخرى».

«تشويه سمعة» فريق أوباما
ليس بعيداً عن التطوّرات التي تحصل، خلال الفترة الأخيرة، كشف موقع «أوبزرفر»، التابع لصحيفة «ذا غادريان» البريطانية، لجوء إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى شركة أمنية إسرائيلية بهدف «تشويه سمعة» مستشارين للرئيس السابق باراك أوباما، ممّن عملوا في ملف التفاوض على الاتفاق النووي بين الغرب وإيران. بحسب التقرير، الذي كتبه مارك تاونساند وجوليان بورغر، اتصل أشخاص في إدارة ترامب بمحقّقين خاصين في أيار/مايو من العام الماضي، بغرض «تشويه سمعة» أحد أكبر مستشاري أوباما للأمن القومي، بن رودس، ونائب مساعد أوباما (جوزف بايدن)، كولين كال.


وتبيّن أن الشركة الاستخباراتية الخاصة هي «بلاك كيوب» (Black Cube)، وذلك وفق الصحافي في صحيفة «نيويوركر» الأميركية، رونان فارو. وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يوم أمس، إن مصدراً مجهولاً قريباً من «بلاك كيوب»، اعترف بأن الشركة «تجسّست على مساعدي أوباما»، ولكن نفت أن تكون العملية مرتبطة بالاتفاق النووي مع إيران.
ولكن ّوفق موقع «ذي إنترسبت» الأميركي، فإن سمات حملات التجسّس التي تتم من خلال ممثلي شركات وهمية يطلبون اجتماعات لمناقشه فرص مالية، تشبه كثيراً مساعي قامت بها شركة إسرائيلية هذا العام، من أجل تشويه سمعة منظمات غير حكومية في المجر، تتلقى تمويلاً من الميليادير جورج سوروس، وذلك بناءً على طلب رئيس وزراء البلاد، اليميني المتطرف فيكتور أوربان، حليف ترامب ونتنياهو.
وقبل ساعات من الموعد النهائي الذي حدّده ترامب لإعلان موقفه النهائي من الاتفاق النووي، أشار التقرير إلى أنه بعد زيارة ترامب لتل أبيب قبل عامٍ بالتمام، اتصل مسؤولون في إدارته بشركة الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة «بلاك كيوب» للبحث عن «عمليات قذرة» ضد مسؤولين في إدارة أوباما. وذكر التقرير أن ترامب وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه بأن إيران لن تمتلك أسلحة نووية، كما أشار إلى أن الإيرانيين اعتقدوا منذ التفاوض على الاتفاق النووي عام 2015، أنهم يستطيعون «فعل ما يريدون».
الموقع نقل عن مصدر مطّلع على «حملة العمليات القذرة» أنه كان مفترضاً إضعاف مصداقية الشخصيات التي كانت محورية في الترويج للاتفاق النووي، ما سيسهل على ترامب وفريقه إعلان الانسحاب منه الآن. في هذا السياق، حاولت المساعي البحث عن العلاقات الشخصية للأشخاص المرتبطين بالاتفاقية، وعمّا إذا أقاموا علاقات مع جماعة ضغط صديقة لإيران، وإذا حققوا منفعة شخصية أو سياسية من هذه الاتفاقية.
وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو، الذي شارك في المراحل الأولى من الاتفاق، علّق في حديثٍ إلى الموقع على القضية قائلاً: «تعدّ هذه الاتهامات استثنائية ومرعبة، وتلخص اليأس الذي وصل إليه ترامب ونتنياهو، ليس للحطّ من قيمة الاتفاقية فحسب، بل لتقويض سمعة الأشخاص الذين لهم علاقة بها أيضاً». وقال سترو إن الحملة ضد الاتفاقية النووية تميزت بالانتهاكات وحملات التضليل، «وهي أفضل فرصة للتأكد من عدم تطوير إيران برامج نووية، ومن الجنون الإشارة إلى أن التخلي عنها قد يؤدي إلى شيء سوى تهديد الأمن الدولي». كذلك، نقل الكاتبان عن دبلوماسي بريطاني بارز، قوله: «إن القيام بهذا هو أمر فاحش، والنقطة الأساسية في كل عملية المفاوضات هي تجنّب حيل كهذه».


بولتون يريد... «مجاهدي خلق»

(أ ف ب )

قد يكون لمستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون الدور الأبرز في تسريع خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. أمرٌ لم يغِب عن ذهن العديد من المراقبين والمحلّلين، وهو ما أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» في أحد تقاريرها، لافتة إلى أنه «في خلفية هذه المفاوضات الحساسة يقبع بولتون، الذي كان من الداعين إلى تمزيق الاتفاق النووي ودعم منظمة مجاهدي خلق».
لم تنسَ الصحيفة الإشارة إلى مشاركة بولتون في الاحتفال السنوي للمنظمة، حيث أكد أن «هناك معارضة قوية ضد حكم آية الله، وهذه المعارضة موجودة في هذه الغرفة (أي في مكان الاحتفال)». يومها، أضاف أن «سلوك النظام لن يتغيّر، وهناك حلّ وحيد هو بتغيير النظام بحدّ ذاته».