اتجهت أنظار العالم إلى المنطقة الحدودية العازلة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، حيث انتهت قبل قليل قمةٌ تاريخية جمعت زعيمي البلدين للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات. القمة التي حملت بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ليكون أول زعيم لبلاده يخطو على أراضي الجارة الجنوبية، تكلّلت بإعلان العمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية، بهدف تحويل اتفاق الهدنة التي أنهت الحرب قبل 65 عاماً إلى معاهدة سلام.
نزع السلاح النووي
في ختام القمة التي اتسمت برمزية كبيرة، وقّع زعيما كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، مون جاي إن وكيم جونغ أون، إعلاناً يتضمّن الموافقة على العمل من أجل «نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية». الطرفان أكدا، في الإعلان، أنهما سيعملان على التوصل إلى اتفاق لتحقيق سلام دائم وراسخ في شبه الجزيرة. وشمل الإعلان تعهدات بالحد من التسلّح، ووقف «الأعمال العدائية»، وتحويل الحدود المحصّنة بين البلدين إلى «منطقة سلام»، والسعي من أجل إجراء محادثات متعدّدة الأطراف مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة. كذلك، اتفق الزعيمان على إجراء محادثات عسكرية «رفيعة المستوى»، في أيار المقبل، كما أعلن الرئيس الكوري الجنوبي أنه سيزور بيونغ يانغ في وقت لاحق من العام الحالي.
في سياق متصل، اتفق الجانبان على إعادة التواصل بين الأُسر التي فرّقتها الحرب، وتأسيس مكتب اتصال على حدود كوريا الشمالية.
في بداية القمة، حذّر سكرتير الرئاسة الكورية الجنوبية ايم جونغ سيوك من أن الأمور لن تكون سهلة على الإطلاق، وقال إن «التوصل إلى اتفاق بشأن نزع السلاح النووي، في وقت حققت فيه برامج كوريا الشمالية النووية والبالستية تقدماً كبيراً، سيكون مختلفاً في طبيعته عن اتفاقات نزع السلاح المُبرمة في التسعينيات وبداية العقد الأول من الألفية». واعتبر أن الأمر الأكثر حساسية، سيكون رؤية مدى قدرة الزعيمين على الاتفاق حول إرادة نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.
وقبل الإعلان الثنائي، أكد متحدث باسم الرئيس الكوري الجنوبي أن الزعيمين أجريا حواراً صريحاً وصادقاً حول نزع السلاح النووي، وإحلال سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية وتنمية العلاقات بين البلدين.
(أ ف ب )

أول زعيم شمالي في الجنوب
هناك في منطقة بانمنغوم، كان مون قد استقبل كيم ليصبح بذلك أول زعيم لكوريا الشمالية، تطأ قدماه الجنوب منذ الحرب الكورية. وفي لفتة عفوية، دعا كيم الرئيس الكوري الجنوبي لعبور الخط إلى الشمال لفترة وجيزة، قبل أن يعود الاثنان مرة أخرى إلى الجانب الكوري الجنوبي من الحدود. وقال كيم: «كنت متحمساً للقاء في هذا المكان التاريخي، وإنه لأمر مؤثر بالفعل أن تأتي كل هذه المسافة إلى خط ترسيم الحدود للترحيب بي بنفسك». وبعدما سار الزعيمان على سجادة حمراء وكان في انتظارهما حرس الشرف الكوري الجنوبي في زيٍّ تاريخي، كتب كيم باللغة الكورية في الدفتر: «تاريخ جديد يبدأ الآن. عهد من السلام»، ثم ترك توقيعه والتاريخ.
لقاء الزعيمين تضمّن لحظات رمزية عدّة، بالإضافة إلى أحاديث ودّية ومزاح متبادل. وبعدما أخبر كيم مون في الجلسة الخاصة بداية اللقاء، أنه «جاء إلى القمة لإنهاء تاريخ من الصراع»، مازح كيم رئيس الجنوب قائلاً إنه يأسف «لأنه كان يبقيه مستيقظاً بسبب تجارب إطلاق الصواريخ في ساعات متأخرة من الليل». وأضاف أحد المسؤولين، أن كيم قال لمون إنه مستعد لزيارة البيت الأزرق الرئاسي في سيول، وإنه يود لقاءه على فترات أكثر تقارباً في المستقبل.


قمة واشنطن ــ بيونغ يانغ الأسبوع المقبل

رحّب البيت الأبيض، بالقمة بين الكوريتين واصفاً إياها بـ«التاريخية»، آملاً في أن تحقق المباحثات بين الجانبين تقدماً على مسار طريق السلام والرخاء بالنسبة إلى شبه الجزيرة الكورية. ولفت البيت الأبيض إلى ترقب عقد قمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية، الأسبوع المقبل. في هذا الوقت، احتفل البيت الأبيض، بمصادقة مجلس الشيوخ على تعيين مايك بومبيو على رأس الخارجية الأميركية، بنشر صورتين للقاء سري جمعه بزعيم كوريا الشمالية في عطلة عيد الفصح الأخير. ونشرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، الصورتين عبر موقع «تويتر». ويظهر في الصورتين، كيم جونغ أون وهو يسلم على بومبيو الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، قبل تسلّمه منصبه الجديد. وتعتبر هذه أول صور تنشر لاجتماع رسمي بين دبلوماسي أميركي كبير، وزعيم كوريا الشمالية منذ لقاء عام 2000.



القمة حصيلة انفتاح مستجد
جاءت هذه القمة تكريساً للتقارب اللافت الذي تشهده شبه الجزيرة الكورية، منذ إعلان كيم في مبادرة غير متوقعة في الأول من كانون الثاني الماضي أن بلاده ستشارك في الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ في الجنوب.
مون استغلّ هذه المبادرة من أجل إطلاق الحوار مع بيونغ يانع، موضحاً أن القمة بين البلدين ستشكل أساساً للاجتماع بين جارة بلاده الشيوعية وواشنطن.
وعندما توجّه كيم إلى بكين، في آذار الماضي، في أول زيارة له إلى الخارج منذ توليه السلطة، نقلت عنه وكالة «أنباء الصين الجديدة» قوله إن المسألة يمكن حلها إذا اتخذت سيول وواشنطن «إجراءات تدريجية ومتناسقة بهدف تحقيق السلام».
وكان كيم قد أعلن، السبت الماضي، تعليق التجارب النووية وإطلاق الصواريخ البالستية بعيدة المدى، مؤكداً «تحقيق الأهداف من البرنامجين».
كذلك، وفي السياق نفسه، أعلن إغلاق الموقع الكوري الشمالي الوحيد المعروف للتجارب النووية.

إرثٌ ثقيل بين البلدين
حتى الإعلان الثناني الذي يمهد لاتفاق سلام شامل بين الجانبين، كانت الكوريتان لا تزالان في حالة حرب من الناحية الرسمية، إذ انتهت الحرب بينهما بهدنة لا معاهدة سلام. ويوجد 28500 جندي أميركي في كوريا الجنوبية ضمن إرث الحرب الباردة بين الجنوب والولايات المتحدة والأمم المتحدة من ناحية، والشمال المدعوم من الصين وروسيا من ناحية أخرى.
تلك الحرب اتسع نطاقها مع دعم الولايات المتحدة للجنوب والصين للشمال، ما أسفر عن وقوع بين مليونين وأربعة ملايين قتيل. في حينه، تم توقيع هدنة هشة في 27 تموز 1953، وبرغم التوتّر أجرى البلدان محادثات في السابق، فالزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونغ إيل عقد قمتين مع نظرائه من الجنوب بين عامي 2000 و2007، ما أتاح تهدئة الوضع في شبه الجزيرة، غير أن الحالة العدائية بين الطرفين استمرت.

العالم يرحّب
بينما كانت الأخبار الإيجابية تأتي من الحدود بين الكوريتين، كانت الدول تراقب الحدث التاريخي عن كثب.
الصين التي شكرها دونالد ترامب على جهودها في هذا السياق، مغرداً «رجاءً عدم نسيان المساعدة الكبيرة التي قدّمها صديقي العزيز رئيس الصين شي (جين بينغ)... لولاه لكانت العملية أطول وأكثر صعوبة»، أشادت بالقمة بين كيم ومون، وحيّت «شجاعتهما»، مشيرة إلى أن المصافحة بينهما عند الخط الفاصل بين البلدين تشكّل «لحظة تاريخية».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هيوا تشونين، «نأمل في أن يغتنما هذه الفرصة لفتح مرحلة جديدة من الاستقرار الطويل الأمد في شبه الجزيرة»، مشتشهدةً بقصيدةٍ تقول: «نبقى أخوة بعد كل التقلبات، لنتخل عن أحقادنا القديمة، لنلتق مبتسمين مجدداً».
في طوكيو، رحَّب رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بالقمة التاريخية، وقال: «أجرى الرئيس مون جاي-ان والزعيم كيم جونغ أون اليوم محادثات جدّية بشأن نزع سلاح كوريا الشمالية النووي. أريد أن أرحّب بذلك التحرك الإيجابي نحو حلٍّ شامل للمسائل المختلفة المتعلقة بكوريا الشمالية». وأضاف: «نأمل بشدة أن تقوم كوريا الشمالية بأعمال ملموسة خلال هذا الاجتماع والقمة (المرتقبة)» بين واشنطن وبيونغ يانغ، فيما أكّد أنّ بلاده ستواصل «مراقبة التحركات المستقبلية لكوريا الشمالية».
روسيا، من جهتها، أشادت بـ«أخبار إيجابية جداً»، بحسب المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، مضيفاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «شدّد مرات عدة على أن تسوية دائمة وثابتة للوضع في شبه الجزيرة الكورية لا يمكن أن تقوم إلا على أساس حوار مباشر، واليوم نلاحظ أن حواراً مباشراً قد أُطلق».
وكعادته، علّق الرئيس الأميركي على القمة بين البلدين، بسلسلة تغريدات عبر «تويتر». وبعدما رحّب بالقمة «التاريخية»، حذّر من أن «الأمور لن تتضح إلا بعد مرور بعض الوقت».
وكتب: «بعد سنة عاصفة من إطلاق الصواريخ وإجراء التجارب النووية، يجري الآن لقاء تاريخي بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية». وأضاف: «أمور جيدة تحصل، لكنّها لن تتضح إلا بعد مرور بعض الوقت».
وفي تغريدة ثانية كتب ترامب: «الحرب الكورية إلى خواتمها! إن الولايات المتحدة يجب أن تشعر مع كامل شعبها العظيم، بفخر كبير لما يحصل حالياً في كوريا».
من جانبه، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الحلف «إنها خطوة أولى، مشجعة، لكن يجب أن ندرك أنه لا يزال أمامنا عمل دؤوب».
وخلال الاجتماع، قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، «(أنا) متفائل جداً إزاء ما حصل. بالنظر إلى تاريخ كوريا الشمالية وسعيها لامتلاك السلاح النووي، لا أعتقد أن أحدا سيفرط في التفاؤل، لكن من الواضح أنه خبر جيد جداً أن يلتقي الجانبان».