الرجل الذي سعى جاهداً في خلال الأعوام الأخيرة إلى تكريس زعامته السياسية في تركيا، وكان كل شيء في تصرفاته ولغته يؤكد حلمه بالتحوّل إلى الزعيم التركي الجديد، كان مصيره السياسي فجر اليوم مجهولاً. خلال ساعات مرت بطيئة، كان قادراً ربما على إدخال تغييرات في مسار الأمور، كما كان بالإمكان سقوطه في أيدي "مجموعة الانقلابيين".الخوف من الانقلابات الذي كان يلاحقه وحزبه "العدالة والتنمية" طوال أكثر من عقد في الحكم، كأنّه بدا فجأة على محيّاه حين ظهر على التلفاز من خلال الهاتف المحمول. حاول التأكيد أنّ "منفذي محاولة الانقلاب" لن ينجحوا، ودعا مواطنيه إلى النزول إلى الشارع. وقال، عبر قناة "سي أن أن تورك" المقربة منه: "لا أعتقد أبداً أن منفذي محاولة الانقلاب سينجحون"، مشدداً على أنه سيظل الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، وأن الانقلابيين سيدفعون "ثمناً باهظاً جداً".
طبعاً، لم يكن بالإمكان التكهن بما كانت ستؤول إليه الأمور. لكن صورة ذلك الرجل الذي حكم تركيا بيد من حديد وتحوّل خلال مرحلة "الربيع العربي" إلى ملهم لكثير من الحركات الإسلامية، وإلى مفاوض أتقن ابتزاز الاتحاد الأوروبي في خلال الأشهر الأخيرة عبر قضية اللاجئين، كادت أن تختصر الكثير من تاريخ هذه المنطقة، وأن تعيد إلى الصدارة مشهد الانقلابات المؤسسة لمرحلة عربية وإقليمية حاسمة منذ منتصف القرن الماضي.
عندما فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2014، وصف هذا الفوز في خطابه بأنه "وحّد الحاكم والمحكوم". وهذا "المفهوم للديموقراطية، بالنسبة إلى أردوغان، يزيل كل الحدود المفروضة على الحاكم من قبل الأقليات، أو توازن القوة، أو القانون"، ما يؤدي إلى توحيد جذري لمجتمع متنوع. في حينه، أعلن قيام "تركيا الجديدة، تركيا العظيمة"، مغلقاً بذلك الباب "على عهد مضى". "تركيا الجديدة" تلك مكّنته من حصر حرية التعبير، قمع التظاهرات بوحشية، زجّ المعارضين في السجون، وإقصاء أفراد ومجموعات داخل حزبه، باعتباره تلك الشخصية الأبوية التي ترى ما لا يراه غيرها من الشعب التركي.
حاول هذا الرجل منذ عام 2011 بناء زعامة إقليمية، تستمد نفوذها من انتشار كان مرجحاً للإخوان المسلمين. في مقابلة سابقة مع "الأخبار"، قال الأكاديمي التركي، حميد بوزارسلان، إنّه مع تمكن العدالة والتنمية في تركيا من الوصول إلى الحكم في مطلع القرن الحالي، وإنتاجه لصيغة بدا أنها تجمع بين الإسلام والديموقراطية والليبرالية والقوة الاقتصادية، فقد أصبح نموذجاً لسائر الحركات الإسلامية المنتشرة في الشرق الأوسط. لكنه أضاف أنه خلافاً لما كان يتمناه الثنائي رجب طيب أردوغان ــ أحمد داود أوغلو، لم يكن إعجاب "النهضة" (تونس) و"الإخوان المسلمين" بحزب "العدالة والتنمية" وبزعيمه "مؤشراً على رغبتهما في هيمنة تركيا كدولة أو دعمهما لأي مشروع توسعي... ولست متأكداً من أن العدالة والتنمية الذي عانت صورته من ترديات كبيرة في العامين الماضيين لا يزال يعتبر نموذجاً يحتذى من قبل سائر الحركات الإسلامية". برغم النقاش الذي يفتح عليه حديث بوزارسلان في ظل مواصلة أردوغان لسياساته الإقليمية، وإن بخطاب معدّل، فإنّ توجهات "العدالة والتنمية" وخلفيته كحزب بدأ إسلامياً محافظاً، نجحت في أن تتكرّس في داخل تركيا، ما يشرح أحد أسباب ما جرى فجر اليوم. لكن "عراب الإسلاميين" الأتراك، نجم الدين أربكان، وصف أردوغان يوماً، بـ"التلميذ الفاشل الذي هرب من الباب الخلفي للمدرسة"؛ صحيح أنه أتى إلى مدرسة، "لكنه لم يستمع للدرس"، في إشارة إلى "تخلي أردوغان عن مبادئه الإسلامية".
(الأخبار)