منذ أن تزعم جيريمي كوربين "حزب العمّال" في نهاية الصيف الماضي، حاول خصومه "العماليون" من "البليريين" (نسبة إلى رئيس الحزب الأسبق، توني بلير)، إضافة إلى "الحزب المحافظ" الحاكم، تشويه صورته شعبياً وإيقاعه في الأزمات. وللتذكير، فقد جاءت المحاولة الأكثر وضوحاً حين طرح ديفيد كاميرون أن يصوّت مجلس النوّاب حول ما إذا كان على بريطانيا "التدخل" في سوريا. في حينه، عارض كوربين القرار بطبيعة الحال، فقامت معارضة شرسة في وجهه، ووجه باتهامات عدة، راوحت بين القول بعدم أهليته لتزعّم حزبه، وصولاً إلى الحديث عن خيانته لبريطانيا وتهديده "أمنها القومي".خلال الفترة اللاحقة، بقيت شعبية كوربين في أوساط الطبقة العاملة والأقليات قوية (هذا إن لم تزد). أما اليوم، على اثر نتيجة "الاستفتاء الأوروبي" الذي قرر من خلاله الشعب البريطاني الانفصال عن الاتحاد الأوروبي (لأسباب مختلفة ولا يمكن اختصارها بالعنصرية، إذ ان الكثير من العمّاليين صوّتوا لمصلحة الخروج أيضاً)، يقوم معارضون لكوربين من داخل الحزب، بقيادة وزير الخارجية في حكومة الظل العمّالية، هيلاري بن، بالتحريض ضد زعيم الحزب "لعدم دعمه خيار البقاء بما يكفي بهدف اقناع الناس به". وهو حراك وصفه الإعلام البريطاني بمحاولة "الانقلاب" على كوربين الذي قام بدوره بإقالة بن من منصبه، تزامناً مع استقالة سبعة أعضاء آخرين، بينما سحب سبعة آخرون من "حزب العمال" تأييدهم لزعامة كوربين.
وتحدثت الصحف البريطانية صراحة عن استعداد بن لقيادة انقلاب ضد كوربين وعن حثه أعضاء في الحزب على الاستقالة في حال رفض كوربين التنحي عن منصبه، فيما عبّر بعض الأعضاء الذين استقالوا عن عدم ثقتهم بقدرته على قيادة الحزب. وكتبت وزيرة الصحة في حكومة الظل العمالية، هيدي ألكسندر، في رسالة نشرتها على "تويتر": "أحترمك كرجل صاحب مبدأ، لكن لا أعتقد أن لديك القدرة على صياغة الأجوبة التي تحتاجها بلادنا في الفترة المقبلة، وأعتقد أننا اذا أردنا الوصول الى الحكم، فعلينا تغيير القيادة". وأضافت: "الذين سيتأثرون بالصدمة الاقتصادية الناجمة عن الخروج من الاتحاد الأوروبي، يحتاجون إلى معارضة قوية".
عملياً، تعرّض كوربين للكثير من الانتقادات "لإخفاقه" في إقناع الملايين من الناخبين في معاقل "حزب العمال" بالتصويت لصالح "البقاء"، وخصوصاً أنّ أكثر من ثلثهم (حوالي 37%) صوتوا لصالح "الخروج". ويمكن القول إنّ الأسباب الحقيقية التي تقف خلف معارضة كوربين ضمن "حزب العمال" تعود إلى مرحلة التحضير للاستفتاء، وخاصة أنه خلال تلك المدة، بدا كوربين وكأنه دُفع نحو تأييد خيار "البقاء"، وهو خيار كان قد أمضى حياته كناشط وكعضو في مجلس نواب يعارضه، وهذا ما أضعف موقف اليسار في النقاش، فاتحاً الطريق أمام اليمين المتطرف ليهيمن على معسكر "الخروج"، فيما هيمن أنصار كاميرون، لا أنصار حزب العمال، على معسكر "البقاء".
وبينما يدّعي المعارضون أن كوربين غير مؤهل للقيادة، أصدر نائب زعيم الحزب، توم واتسن، وهو وزير الداخلية في حكومة الظل، أندي بارنهام، بياناً، أعلن من خلاله دعم كوربين. كما أعلن نقابيون، في بيان، دعمهم لزعيم "العمّال" لأن الحزب "في غنى عما يحاول المعارضون القيام به الآن". كذلك، أعلن وزير المال في حكومة الظل، جون مكدونيل، أنه سيكون مدير حملة كوربين اذا وصلت المسألة إلى إعادة انتخاب زعيم جديد للحزب. كذلك، لا يبدو أنّ معارضي كوربين ضمن "العمّال" لديهم طرح واضح، وهذا ما يشير إليه الناشط والكاتب، آرون باستون، حين يقول إنه "ليس بين معارضيه من يستطيع (تقديم طرح)، ويعلمون أنّه لا تأثير لهم".
من باب تلخيص المشهد، يبدو أنّ لدى كوربين دعماً قوياً في داخل الحزب، إلى درجة تبدو محاولة هيلاري بن ورفاقه للانقلاب عليه عبثيةً، وقد لا ينتج عنها إلا تشتيت "العمّال" وبالتالي إضعاف القدرة على المنافسة خلال الانتخابات المقبلة.