فلسطين | «الجندي المجهول»... ملاذٌ أخير للمقطوعة رواتبهم

  • 0
  • ض
  • ض

غزة | بينما ارتفع صوت الموسيقى في حفل تخريج أقامته إحدى رياض الأطفال قرب متنزّه «الجندي المجهول»، غرب غزة، واصلت تالا التي لم تدخل الروضة بسبب الضائقة المالية لوالدها محمد الريزي، اللعب قرب أهلها، بعدما افترشوا الأرض منذ عشرة أيام لمطالبة الجهات المسؤولة بإيجاد حل لمشكلتهم.

برغم حيوية المكان الذي اختاره الريزي لإقامة اعتصامه وإضرابه مع عائلته عن الطعام، لكونه لا يخلو من فعاليات الفصائل والمنظمات الأهلية، فإن أحداً لم يزره سوى «جهاز المباحث» في شرطة غزة، لمطالبته بإخلاء الاعتصام العائلي الصغير.
مشكلة «أبو خليل» الريزي (26 عاماً)، أنه لم يعد يستطع توفير متطلبات الحياة لعائلته المكونة من زوجة وطفلين مريضين، وذلك بعدما قُطع راتبه عقب أحداث الانقسام بين حركتي «فتح» و«حماس» عام ٢٠٠٧. آنذاك اضطر الريزي إلى العمل سائق أجرة على سيارة لا يمتلكها لتوفير لقمة العيش.
لكنه فقد هذه الفرصة بعدما منعت الأجهزة الأمنية في غزة الموظفين التابعين لحكومتي غزة ورام الله، من العمل في مهنٍ أخرى على رأسها «الخط»، بل قدم من يخالف القانون إلى محكمة، ستجبره على دفع غرامة مالية كبيرة والتوقيع على تعهد بعدم ممارسة أي أعمال أخرى.
وقبل لجوء الريزي إلى أصعب الخيارات، هي الإضراب عن الطعام مع عائلته، واجه الرجل ظروفاً صعبة، فطرد من بيت سكنه بالإيجار، واضطر إلى العيش في إحدى الكرافانات في منطقة مهجورة خلف مدينة الشيخ زايد شمال غزة، لكن الشرطة طردته من هناك بحجج لم تكن مفهومة ووصفتها بالأمنية.
اليوم يطالب هذا الرجل بإعادة راتبه المقطوع منذ تسع سنوات، كي يستطيع توفير العلاج لابنه خليل (6 سنوات) الذي يعاني مشكلات صحية في القلب، وابنته تالا التي تعاني مشكلة في أوتار قدمها. أما لماذا قطع الراتب؟ فيقول لـ«الأخبار»: «أعاني ما يعانيه العشرات من موظفي ٢٠٠٥، الذين كتبت بحقهم تقارير كيدية، رغم التزامي العمل خلال وجود السلطة، ورغم شهادات السلامة الأمنية التي حصلت عليها».


بقي 150 موظفاً من أصل 400 من تفريغات 2005 بلا رواتب

والريزي، واحد من قرابة ألف موظف جرى تفريغهم في أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية عام ٢٠٠٥ ضمن ما عرف بخطة «الإصلاح الشامل» التي تبناها الرئيس محمود عباس، عقب تسلمه زمام السلطة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من غزة وشمال الضفة المحتلة.
كان هدف «أبو مازن» يتلخص في استيعاب مقاتلي المقاومة الفلسطينية في أجهزة السلطة، للإبقاء على سلاح واحد، تتحكم فيه السلطة، وبناءً عليه جرى تفريغ 992 موظفاً بناءً على قوائم قدمتها التنظيمات (عدا «حماس» و«الجهاد الإسلامي») بأسماء أبنائها الفعالين. وبعد أحداث الانقسام، لم يحصل موظفو ٢٠٠٥ على راتبهم المستحق، فتلقى هؤلاء جزءا محدوداً منه، استقطع منه فواتير الكهرباء التي تعدت في بعض الأحيان نصف الراتب.
وفيما قطعت رواتب أكثر من 400 موظف بعد أحداث الانقسام، نجحت حركات الاحتجاج المستمر في إعادة رواتب 250 منهم، فيما يعيش 150 آخرون بلا راتب أو عمل. وبرغم كل المساعي التي بذلتها «اللجنة الوطنية» المدافعة عن حقوق موظفي ٢٠٠٥، لم تفلح حتى اللحظة في الاستحصال على حقوقهم الوظيفية كلها.
يقول منسق اللجنة، رامي أبو كرش، إن هناك «اتفاقاً مع الحكومة لإعادة قيد الموظفين بالراتب الأساسي 1570 شيكل (450$) ثم نجحنا في رفع قيمة الراتب إلى 1500 شيكل، لكن الخصومات التي قد تتجاوز نصف الراتب أحياناً تعيدنا إلى نقطة الصفر». يتابع أبو كرش: «الحكومة تعترف بنا كموظفين في خصومات الكهرباء المربّعة ولا تعترف بنا وقت حقوقنا».
الأزمة بالنسبة إلى موظفي 2005 تتعدى الراتب المقطوع أو المنتقص منه، وتصل إلى حرمانهم العمل في جميع المجالات الخاصة والعامة بحجة أنهم موظفون حكوميون، وذلك بسبب القوانين التي تسعى إلى الحد من ازدواجية العمل، فضلاً عن حرمانهم المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية والأهلية.
وعلى نحو مستحدث، تجاوزت أزمة قطع الرواتب الجنود والرتب الدنيا، ووصلت أخيراً إلى الرتب العليا التي كانت تشغل مراكز مرموقة في أجهزة السلطة وفي حركة «فتح». أحد هؤلاء عقيد سابق في جهاز «الأمن الوقائي» قطع راتبه في كانون الأول العام الماضي، مع ٢٢ شخصية قيادية في «منظمة التحرير»، منهم جمال أبو حبل الذي يعد أحد الوجوه البارزة في «فتح» في غزة.
تعقيباً على ذلك، قال اللواء الركن إسماعيل جبر، الذي يتمتع بصلاحيات كبيرة لكونه مساعد القائد الأعلى لقوى الأمن الفلسطينية ومستشار الرئيس محمود عباس لشؤون المحافظات، لـ«الأخبار»، إن «كل جهاز أمني في السلطة يتولى مسؤولية أبنائه، ولم تقطع رواتب بصورة جماعية». وأضاف جبر: «لكل جهاز أمني لجنة من الخبراء مخولة بنقاش قضية المقطوعة رواتبهم».
ولا يغيب أن رام الله استخدمت ورقة الرواتب كأداة لتصفية الحساب مع «حماس»، فقد عمدت السلطة إلى قطع رواتب 21 ألف موظف في غزة فور سيطرة الحركة على القطاع، قبل أن تعيد رواتبهم بعد إجراءات مسح أمنية للتأكد من عدم تعاونهم مع «حماس»، ثم أعاد عباس استخدام ورقة الراتب في محاربة أنصار غريمه الطموح محمد دحلان. وأخيراً، كشفت مصادر صحافية عن إصدار اللجنة المركزية لـ«فتح» قراراً صدقه «أبو مازن»، يأمر بحصر أبناء «فتح» المحسوبين على «التوجه الإصلاحي» الذي يقوده دحلان، تمهيداً لخطوات لاحقة.

0 تعليق

التعليقات