يترجَم هذا من خلال مجموعة من أعمال فنّية منوّعة بوسائط مختلفة تتناول الحرب والتاريخ تحمل توقيع فنانين من لبنان، سوريا، العراق وفلسطين: ضياء العزاوي (1939)، جنان مكي باشو (1947)، ليلى الشوّا (1940)، أحمد معلا (1958)، محمود العبيدي (1966) وألفرد طرزي (1980). تجسّد المنحوتات واللوحات اللجوء ونزوح الأمم في هجرتها القسريّة، فيما تظهر الوجه المرعب للبشريّة في زمن الحرب. أمّا الملصقات (مجموعة عبودي أبو جودة، مجموعة «نابو» و«الدولية للمعلومات») والصور الفوتوغرافية، فتصوّر دعاية الأحزاب السياسيّة والميليشيات و«أعمال التمرّد وواجب التذكّر»، إنّما بأساليب مختلفة. علماً بأنّ هناك مساحة صغيرة مخصّصة للانتفاضة اللبنانية التي انطلقت شرارتها في 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي.
لعلّ أكثر ما يلفت الأنظار في الأعمال المختارة للفنان العراقي الرائد ضياء العزّاوي، مجموعة «نحن لا نُرى إلا جثثاً» (1983) الطباعيّة حول مجزرة صبرا وشاتيلا. على جدران المتحف الشمالي، ست قطع معلّقة وإلى جانبها نصّ «أربع ساعات في شاتيلا» للأديب والشاعر والمسرحي الفرنسي جان جينيه. ففي أعقاب تلك الفظائع التي ارتكبها الصهاينة في 1982 في بيروت، كتب جينيه نصّه إثر زيارته المخيم الفلسطيني بعد ثلاثة أيام من الواقعة فيما أنجز العزّاوي جداريّة كبيرة. جمع الثنائي أعمالهما ضمن «نحن لا نُرى إلا جثثاً». على غرار «غيرنيكا» بيكاسو، لا تصوّر نقوش العزاوي حدثاً أو مكاناً محدّداً، وإنّما معاناة إنسانيّة بالأبيض والأسود. سلسلة تستكمل ثيمة «نشيد الجسد» التي أنتجها العزّاوي بعد حصار ومذبحة تل الزعتر التي وقعت خلال المرحلة الأولى من الحرب اللبنانية عام 1976.
في سياق الوحشيّة الإسرائيليّة، تم اختيار عمل فنّي متعدّد الوسائط بعنوان «الشجاعيّة» (2016) يحمل توقيع التشكيلية الفلسطينية ليلى الشوّا. الفنانة التي درّست الأطفال في مخيمات الأمم المتحدة للاجئين في غزّة الفنون والحرف اليدوية، عبّرت من خلال هذا العمل عن رؤيتها للمجزرة الإسرائيليّة التي ارتُكبت في 2014 في حيّ الشجاعية في غزّة وراح ضحيتها أكثر من 74 شخصاً. وذلك من خلال كولاج يجمع موادّ مختلفة منها الخيطان ومجسّمات الأطفال الصغيرة التي كثّفت لحظة المجزرة، فيما لم تغِب الألوان التي تعدّ عنصراً ثابتاً في أعمالها. وجود ليلى الشوّا في هذا المعرض يعدّ أساسياً، وهي التي جابت أعمالها العالم عاكسةً الواقع السياسيّ لفلسطين المحتلّة.
ضمن سياق التعبير والعمل على ويلات اللاجئين في منطقتنا والكوارث الإنسانيّة المعاصرة، نشاهد كتلاً بشرية، ومشهديّات كاملة مصنوعة في غالبيتها من الفولاذ والحديد للفنانة والنحّاتة اللبنانية جنان مكي باشو. للتعبير عن هذه المآسي، استعانت باشو بالخردة والحديد وبقايا السيارات، مستخرِجةً الحركة من أكثر المواد صلابة وصعوبة في العمل النحتيّ. تعود هذه الأعمال والقطع إلى معرضَيها «حضارة» (2016) و«فصول الهجرة اللامتناهية» (2019) التي جسّدت فيها سنوات السواد في المنطقة، لدى ظهور تنظيم داعش، بالإضافة إلى ويلات ومسيرات اللجوء التي شهدها العالم.
وليس بعيداً عن مفهوم الهجرة واللجوء، يحضر الفنان العراقي ــ الكندي محمود العبيدي من خلال قطع تنتمي إلى مجموعة «اصنع الحرب لا تصنع الحب» (2019)، من بينها «الفقاعة» و«القطار». هنا، يبرز حسّ تعبيريّ قائم على العفوية والتبسيط والتقشّف في التفاصيل. معالم بشريّة وأشكال وأمكنة غامضة، وألوان حياديّة تحاكي مشاعر الهجرة والمنفى.
يتناول المعرض مآسي عربية ولبنانية منها الحرب الأهلية والحرب السورية والمجازر الإسرائيليّة
أمّا أحمد معلا، فيعدّ أحد أبرز الفنانين التعبيريين في تيّار ما بعد الحداثة في سوريا، وكان أوّل من اتّبع العرض المسرحي في أعماله. في «يأس وأمل»، نقع مثلاً على «وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم» التي تستوحي اسمها من معلّقة زهير بن أبي سلمى (520 ــ 609). منذ سنوات، يعمل معلا على الكوارث والموت بطرق مختلفة، لتُمسي أعماله أشبه بنبوءات إغريقية، سواءً بالأعمال الحروفية أو التصويرية إلى جانب أخرى تجمع بين تصوير الشخصيات والحروف المستمدّة من نصوص شعرية أو نثرية... إلى هذه الأخيرة، تنتمي «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم» (2012) التي تصوّر الهلاك والخراب الذي يسوّر المنطقة عموماً، ومن ضمنها سوريا طبعاً.
هناك ملصقات، ولوحات متعدّدة الوسائط وكولاجات مطبوعة وأعمال نحتية
لبنانياً، تتّخذ إنتاجات ألفرد من أحداث مفصلية في تاريح لبنان، على رأسها الحرب الأهلية، منطلقاً أساسياً. اختيرت له مجموعة من أعمال الكولاج والطباعة على شاكلة «المنطقة الشرقية 1978» (2008) و«إخواننا الفلسطينيون 1964» (2008). في عمله، يسعى طرزي إلى تحليل ذاكرة الحرب الأهلية ويعيد روايتها ويعالجها في مجموعة من الأعمال المتنوّعة بين الفوتوغرافيا، الرسم، الكولاج الرقمي، النحت والتجهيزات الفنية. بصفته ينتمي إلى جيل ما بعد الحرب، يغوص ألفرد في الأحداث المؤلمة في أعقاب الحرب الأهلية على جميع المستويات، محاولاً إعادة الاتصال مع هذه الفترة، وذلك بالاستعانة بالصور الأرشيفية والوثائق.
تحاول القطع المعروضة الإجابة عن سؤال أساسي، هو: ما هي علّتنا... وإلى أين؟ لا سيّما أنّ «يأس وأمل» يحاول تذكيرنا «بالماضي والواقع الأليمين، وليفتح باب النقاش حول انفجار المجتمعات الطائفية نتيجة الصراعات الداخلية والتدخّل الأجنبي وطرق التعبير في لبنان، سوريا، العراق وفلسطين».
* معرض «يأس وأمل ـــ عندما يتبصّر الفن الحرب والتاريخ»: لغاية 20 أيلول (سبتمبر 2020 ــ متحف «نابو» (الهري ــ قضاء البترون/ شمال لبنان). للاستعلام: 06/541941