فلنفرض أنّ أحدنا فتح الفايسبوك منذ أسابيع قليلة، وحاول أن يحصل على أجوبة للأسئلة الآتية:- كيف تناول الناس اليوم على فايسبوك تصرفات الوزير الفلاني؟
- أين هو المنشور المهم الذي انتقد فيه صديقه برامج إحدى القنوات بشكل لاذع؟
- بين الصفحات التي يتابعها، ما هي أخبار شركة غوغل؟
ببساطة، كانت هذه الأمور من ضمن الأشغال الشاقّة على الموقع. لماذا؟ لأن فايسبوك لم تكن توفّر إمكانية البحث في المنشورات.

كانت خدمة "Graph Search" تقتصر على البحث عن الناس والصور والأمكنة. أما اليوم، فقد بدأت تظهر لمستخدمي الموقع خدمة تخوّلهم البحث في نصوص المنشورات تماماً كما يفعلون في غوغل. وهذا سيغيّر كل شيء.
كيف تستثمر البحث؟
أوّلاً، قد تكون هذه الإمكانية باباً لتوديع الملل: إن لم تُعجبك منشورات الصفحة الرئيسية من فايسبوك: فقط ابحث عن موضوع تفضّله وستجد لائحة بمنشورات عن هذا الموضوع حصراً. على صعيد آخر، ستصبح خاصية البحث للإعلاميين مثلاً وسيلة لاستقصاء الآراء على الموقع حول حدث ما عبر بحث سريع. للصحافي، ستصبح معبره ليعرف رأي الناس بمقاله اليومي بمجرّد بحث يتضمّن عنوان المقال. اللافت أن الخدمة تتخطّى البحث في ما كتبه الأصدقاء لتصل إلى ما كتبه معارف الأصدقاء أيضاً.
ستصبح خاصية البحث
للإعلاميين مثلاً وسيلة لاستقصاء الآراء على الموقع

وهذا قد يستغلّه البعض للتعرّف إلى آراء من هم خارج دائرة أصدقائه، والذين قد تنشأ معهم صداقة في ما بعد. الأفكار لاستغلال ذلك محدودة فقط بخيال المستخدمين، الذين لا يقتصرون على الأفراد فقط، إذ يشمل ذلك المؤسسات أيضاً، التي ينبغي أن تستفيد من هذه الوسيلة الجديدة. الفكرة لتحقيق ذلك شبيهة بما تفعله الشركات لترفع ترتيبها في محرّكات البحث. فمثلاً، عندما تضع صفحة ما رابطاً معيّناً، فإنّ إضافة فقرة توضيحية عن هذا الرّابط، مع أهمّ النقاط التي يتناولها، تُسهم في زيادة إمكانية ظهور هذا المنشور في نتائج البحث عند المستخدمين.
كيف تبحث؟
حاليّاً تظهر هذه الخاصّية لمستخدمي الفايسبوك بالواجهة الإنكليزية فقط، لكنها تدعم البحث عن موضوعات عربية. والأمثلة على جمل البحث كثيرة، فإذا أردنا أن نعرف ماذا قال الناس اليوم عن جريدة "الأخبار"، نكتب:
posts about .جريدة الاخبار
وإذا أراد أحدنا أن يرى كل المنشورات التي ورد فيها اسمه، يكتب:
posts about me.
ويُمكن البحث عن أشياء أكثر تعقيداً، مثل منشورات الناس الذين يعيشون في لبنان عن موضوع سوريا:
"posts about سوريا by people who live in Lebanon".
وإذا أردنا رأي صديق (فلنفرض أنّ اسمه أيهم الطائي) عن موضوع العراق في سنة 2013، يمكن أن نكتب:
"posts by أيهم الطائي about العراق in 2013".
ما هو التالي؟
منذ فترة، كان الفايسبوك يوصف بأنه لا ينسى، أما في هذه الأيام فهو يهب هذه الخاصية لمستخدميه. يريدهم جميعاً بذاكرة لامتناهية. إذ لن يمرّ تغيير أحدهم الرأي في موضوع معيّن مرور الكرام، مهما باعد الزمن بين الموقفين، فببحث بسيط يظهر التفاوت. وإذا تتبّعنا خطوات فايسبوك جيّداً، نرى أنّ الموقع ذاهب إلى أبعد من ذلك في المستقبل. المثير هو عندما يضيف إمكانية بحث لا تقتصر على حرفيّة النصوص. فمثلاً إذا تضمّن المنشور عبارة "الشام"، فهذا يجب أن يظهر في نتائج البحث عن سوريا. وكذلك عندما نستخدم مرادفات الكلمات، فهذا ينبغي أن يظهر كلّما بحثنا عن إحداها. قد تُستثمر هذه الخاصية أيضاً في إعطاء خدمة مدفوعة للشركات، وهي إمكانية البحث في بلد معيّن عن آراء الناس حول الشركة (من دون أن يكون موظّفوها أصدقاء معهم أو من معارفهم على فايسبوك). هذا يقتصر طبعاً على الآراء التي تُشارك مع العامّة (Public). وهنا يُمكن الاستفادة من تقنيات تحليل اللغة، وبالأخصّ تحليل المشاعر (Sentiment Analysis)، لمعرفة ما إذا كانت الآراء الطاغية سلبيّة أو إيجابيّة. وهذا ما يوفّر إمكانية إجراء إحصاء فوري ببحث سريع، دون الحاجة لاستقصاء الناس.
في النهاية، لا نغالي إن توقّعنا أنّ فايسبوك سيحلّ محلّ شركات الإحصاء في الأمد البعيد. هو يَملك ما لا يملكه أحد في الدنيا من كلام الناس، والدرب مفتوح أمامه لتحليله وتحويله إلى خدمات. بالطبع، الخصوصية هنا قد تُصبح مثار جدال، لكن هذه شركة تبغي الربح، عرضت على مستخدميها خدمة، وأخذت موافقتهم على شروطها، ولا يُمكن تغيير ذلك إلّا بثورة غير متوقّعة لمليار إنسان، معظمهم سعيد بأن يفتح الهاتف قبل إقلاع الطائرة ليلتقط آخر صورة، مع تحديد موعد الإقلاع ومحطّ الرّحال، وينشرها على فايسبوك، دون أن يدري أنّ هناك في فايسبوك من يقول له "شكراً، سنستثمرها".