"إن منظومة شركات التكنولوجيا الناشئة في بيروت تُعتبر في مرحلة مبكرة إلى متوسطة، إذ أنها تجاوزت مرحلة النمو لكنها لا تزال بعيدة عن مرحلة النضج"، هذا هو الاستنتاج الذي خلص إليه البنك الدولي في تقرير أصدره الشهر الفائت بعنوان "منظومة شركات التكنولوجيا الناشئة في بيروت: النتائج والتوصيات"، إذ حاول الباحثون أن يدرسوا منظومة ريادة الأعمال التي بدأت تتشكل في بيروت منذ سنوات.
أراد البنك الدولي أن يقدّم وصفاً دقيقاً للمنظومة البيئية للشركات التكنولوجية الناشئة، محلّلاً أربعة عناصر رئيسية هي مهارات رواد الأعمال، التمويل، البنية التحتية والمجتمع المحلي، بهدف توفير فهم لكيفية تشكيل رواد الأعمال منظومتهم، الديناميكيات الداخلية لهذه المنظومة، ما الذي يجعلها تنمو وتحقّق الاستدامة، كيفية اتصالها مع الاقتصاد المحلي لدفع الإنتاجية والعمالة، ولماذا بعض النظم أكثر فعالية من غيرها.
في المتوسط، يتم تأسيس 12 شركة ناشئة جديدة كلّ سنة في بيروت مقارنة مع العام السابق. غالبية رواد الأعمال ذكور يركّزون بشكل مضاعف على الأعمال التجارية بدل الوظائف التقنية. نحو ثلثي الشركات الناشئة أعلنت توظيف موظف واحد على الأقل، بمتوسط ثلاث وظائف لكلّ شركة ناشئة. كما أنّ مؤسسي الشركات الناشئة الذين حصلوا على التمويل بنجاح في بيروت كانوا متخصصين أكثر في مجال إدارة الأعمال.
يتحدث التقرير عن نقاط قوة رئيسية في هذه المنظومة هي توفّر المواهب، ارتفاع مستوى التعليم عند رواد الأعمال وتوفر تمويل للمبتدئين في المراحل المبكرة. لكن بالمقابل يوجد عدّة نقاط ضعف أبرزها عدم توفير برامج مسرعات الأعمال تدريباً نوعياً كافياً لرواد الأعمال ليكون مستداماً، ضعف وجود مستشارين أو مرشدين ذوي خبرة عالية، واستغراق عمليات التمويل والإقراض وقتاً أطول بالمقارنة مع المنظومات الأخرى في المراحل المبكرة والمتوسطة؛ وبما أن المجتمع الريادي لا يزال في مراحله المبكرة، فإن الأفراد ذوي التفكير المماثل لا يتصلون بسهولة ببعضهم البعض لتشكيل مجموعات، مما يشير إلى نهج من التكتل في جماعات بين المشاريع من شبكات مختلفة.

هناك دلائل على بدء تكوّن فقاعة ما سيشوه قدرة المنظومة على اختيار
أفضل الشركات الناشئة


يعترف البنك الدولي أن بناء هذه المنظومة حفّزته برامج مصرف لبنان وأبرزها التعميم 331، إذ كانت برامج مسرعات الأعمال محدودة جداً في بيروت حتى عام 2015، بعدما أدى التعميم 331 إلى زيادة كبيرة في البرامج للشركات الناشئة. وعليه، تلقت ثلاث مسرعات أعمال تمويلاً من مصرف لبنان هي UK-Lebanon Tech Hub, Altcity Bootcamp و Speed at BDD (استثمرت في تسع شركات ناشئة)، وفق التقرير.
تُظهر الأرقام التي جمعها الباحثون أنّ الشركات الناشئة في بيروت التي تنضم إلى مسرعات الأعمال تتضاعف فرص حصولها على تمويل، وهذا أمر طبيعي بالنسبة للمنظومات الوليدة، حيث تكون المسرعات حاسمة في زيادة كمية تمويل الشركات الناشئة. لكن المفارقة هي أن تضاعف فرص حصول الشركات الناشئة على تمويل لا يعود لكون هذه الشركات بات لديها خبرات أفضل أو أنها تطوّرت وتقدّمت جراء البرنامج لتصبح أفضل من الشركات الأخرى، لأن ما يخلص إليه التقرير استناداً للأرقام، هو أن مسرعات الأعمال في بيروت ليس لها تأثير مفيد في تحسين جودة الشركات الناشئة. ماذا يعني هذا الأمر؟ ببساطة، يصعب الوصول إلى تمويل للشركات الناشئة من دون الانضمام إلى مسرعات أعمال، على الرغم من أن هذه المسرعات لا تحسّن بشكل ملموس نوعية الشركات الناشئة التي تستضيفها بالمقارنة مع الشركات الناشئة التي لا تنضم إلى مسرعات. ومع ذلك، يقول التقرير، "تتلقى نصف الشركات الناشئة المنضمّة إلى مسرعات أعمال استثمارات إضافية في السنوات التي تلي تخرجها من برنامج المسرعات، مما يشير إلى وجود الكثير من رأس المال المتاح في المنظومة البيئية بغض النظر عن نوعية الشركات الناشئة وهذا أمر لا يثير الدهشة نظراً للدور الذي لعبه التعميم 331 في تحفيز توافر الاستثمارات".
يسجّل التقرير 43 مستثمراً في بيروت نصفهم شركات لإدارة الاستثمار venture capital firms والنصف الآخر هم مستثمرون ملائكة Angel Investors. وقد قاموا بإجمالي 58 استثماراً في 35 شركة ناشئة، وتم تحديد جميع الاستثمارات على أنها تمويل بإصدار أسهم equity financing.
يشير التقرير إلى أنّ الاستثمار في الوقت الحالي وفير ولكن هناك دلائل على بدء تكوّن فقاعة ما سيشوه قدرة المنظومة على اختيار أفضل الشركات الناشئة، محذّراً من أن استدامة المستوى الحالي من التمويل، الذي يغذّي هذه المنظومة، غير مضمون إذا تم إلغاء التعميم 331، داعياً إلى تقييم جودة تمويل الشركات الناشئة والإعداد للإنهاء التدريجي للتعميم 331 وفتح الطريق أمام تمويلات من القطاع الخاص.

■ للإطلاع على التقرير:
http://documents.worldbank.org/curated/en/702081504876957236/pdf/119654-WP-P158155-PUBLIC-7-9-2017-17-36-21-BeirutecosystemmappingSep.pdf

* للمشاركة في صفحة تكنولوجيا التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]