مخيّم اليرموك | التسوية «النهائية» في مخّيم اليرموك تتهاوى. الحلقة الخامسة من مسلسل تسويات المخيّم سارت على خطى سابقاتها: اجتماعات ولقاءات كثيرة وحثيثة بغرض التوصّل إلى مسوّدة اتفاق، يليها توقيع الاتفاق بين الأطراف التي لم تتغيّر عملياً منذ أول تسوية، وغالباً ما يجري التوقيع في شكل احتفالي مع مواكبة استثنائية من وسائل الإعلام... لكن عند التنفيذ تبدأ الإعاقات: المسلّحون الرافضون للتسوية لا يخرجون من المخيّم، فتتراشق الأطراف الاتهامات بإفشال التسوية، لينتهي الأمر بالإعلان عن مفاوضات للتوصل الى تسوية جديدة.
حسين الأسدي، الناشط الفلسطيني في مخيّم اليرموك، يقول: «يكفي أن تضع عاطفتك تجاه حال المخيّم جانباً حتى تدرك ببساطة أن التسوية الأخيرة ستلاقي فشلاً ذريعاً، فلا شيء جديداً فيها، وهي تشبه التسويات السابقة، ولا أعلم لماذا قالوا إنّها نهائية». يعدّد حسين الأطراف المشاركة في تسويات المخيم المتعاقبة: «وفد منظمة التحرير الفلسطينية، لجنة المصالحة، المنظمات الفلسطينية الموالية للحكومة السورية، كالقيادة العامة وفتح الانتفاضة، والمسلّحون الفلسطينيون»، وهؤلاء جميعاً لم يتغيّبوا عن التوقيع على التسويات الخمس، لكنهم في الوقت ذاته، «لم يزيدوا أو ينقصوا منذ التسوية الأولى». كل هؤلاء مع التسوية قلباً وقالباً، ويوقّعون عادةً على اتفاقات التسوية، إلّا أن قوى أخرى تمنعهم من تنفيذ بنود أي اتفاق: هي «جبهة النصرة» و«الدولة الاسلامية» و«العهدة العمرية» وغيرها من مشتقّات «القاعدة». يضيف حسين: «مشكلة كل التسويات أنها لم تحدد بنحو واضح طريقة التعامل مع هذه القوى».
الأمر الوحيد الذي يختلف بين تسوية وأخرى هو «كمّ الوعود والمزاعم التي يطلقها المسلّحون الفلسطينيون حول قدرتهم على إقناع المسلّحين الرافضين للتسوية باحترام تنفيذها»، يقول شادي سلامة، الناشط في شأن المصالحة في مخيّم اليرموك. ويشرح لـ«الأخبار» كيف تتجلّى الوعود بأشكال مختلفة، كإقناع مسلّحي «النصرة» بالخروج إلى خارج الحدود الإدارية للمخيّم، وادعاءات بعض المسلّحين أن وراءهم مئات المسلّحين الآخرين، الذين يمكن أن ينخرطوا في التسوية، «لكن من المؤسف بشدّة، أن مصير مئات ألوف النازحين من سكان المخيم، الفلسطينيين والسوريين، لا يزال يستند إلى وعود من الزعامات المسلّحة المستفيدة من بقاء الوضع الحالي في المخيم».
الكثير من أبناء المخيّم مستّعدون لإعادة الحياة إلى المخيّم ولو بالسلاح

كل ذلك لا يعني أن فشل التسويات المتعاقبة يقع على عاتق المسلّحين الفلسطينيين وحدهم، فعلى الضفة الأخرى، ضفة القوى الفلسطينية الموالية للحكومة السورية، «ثمة قادة أعماهم منطق العمل العسكري عن رؤية المصلحة البعيدة للشعب الفلسطيني، وتملّّكهم ضيق الأفق الناجم عن الصراع المسلّح بطبيعة الحال»، ما انعكس «تشكيكاً مستمرّاً في صدقية القوى المقابلة المشاركة في التسويات، على نحو بات يضرّ بقضية تذليل الصعوبات التي تقف أمام نجاح التسوية». فالكثير من زعماء «القيادة العامة» يعلنون وفاة التسوية التي يشارك فصيلهم في التوقيع فيها، في اليوم التالي لتوقيعها. ومنهم من «يتحيّن الفرصة لنعيها عند أول خرق، علماً أن الخرق وارد في كل تسوية، وتفرد البنود المتعددة لمعالجته كي لا يفضي إلى إفشالها، كما هو مطلوب منه بالعادة».
لماذا لم تنجح سلسلة التسويات في المخيم، برغم نجاحها في مناطق عدّة من ريف دمشق، وخصوصاً المجاورة للمخيم في الريف الجنوبي؟ يجيب عن هذه المسألة أحد القادة في القوة الفلسطينية المشتركة (فضّل عدم ذكر اسمه): «الموضوع أكبر من القوى المتداخلة على الأرض. ثمّة تأثيرات إقليمية ودولية أكبر من الزعامات التقليدية التي يفترض أن تكون فاعلة على الأرض. وهذا ما نلمسه على الأقل في سلوك بعض أصناف المسلّحين، وبالأخص أصحاب الهوى السعودي والقطري». فباستثناء «داعش»، لا تجرؤ مجموعات المسلّحين الأخرى على رفض التسويات علانية، لأن مزاج المصالحة هو مزاج شعبي عام، لكن في واقع الأمر فإن «الغالبية من المسلّحين تعمل ضدّها وبنحو معقّد. فالأوامر تقضي بألّا تنجح تسوية المخيّم».
كل من نشط في التسويات المتعاقبة يعرف هذه الحقيقة، إلّا أن «المسؤولية الوطنية والأخلاقية أمام شعبنا الفلسطيني يجب ألّا تدفعنا إلى المسارعة في إعلان فشل مسار المفاوضات. وأعتقد أن هذا الأمر هو الذي يضغط على الفصائل لكي تخلق الأجواء الإيجابية سياسياً ونفسياً لنجاح هذه التسوية أو تلك»، يضيف المسؤول.
لكن في المقابل، فإن الكثير من الناشطين الفلسطينيين يحملون الكثير من «العتب» على طريقة عمل الفصائل. يقول أبو عمار، أحد هؤلاء الناشطين، «علينا أن نتعلّم أن تكرار التجربة ذاتها من دون تغيير الشروط لن يأتي بجديد». ويقترح حلّين عمليين، بدلاً من الاستمرار في تراشق المسؤوليات حول فشل التسويات، «أولاً، على القوى السياسية الفلسطينية أن تخوض التفاوض ليس بالمعنى المحلي فقط، بل على مستوى دول لحل مأساة مخيّم اليرموك». أما ثانياً: «فيجب إشراك المجتمع الفلسطيني في هذه العملية، وطرح المشكلات أمامه كما هي»، وذلك بغية استنهاض الحلول الشعبية لمواجهة القوى التي تقف ضدّ الحل، فالكثير من أبناء المخيّم ممن طحنتهم الحرب الدائرة «مستّعدون لإعادة الحياة إلى المخيّم، ولو بالسلاح».