تابع الجيش السوري عملياته العسكرية في ريفَي إدلب وحلب. وبعدما سيطر أول من أمس على مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي، هدأت المعارك هناك بسبب سوء الأحوال الجوية، فيما اكتفت القوات بتنفيذ رمايات مدفعية ضدّ مواقع المسلحين في البلدات المحيطة. لكن بالتوازي، وفي عملية سريعة، تمكّن الجيش من السيطرة على بلدة زيتان المهمّة غرب قرية خلصة، والتي شهدت في الأيام الماضية معارك عنيفة مع المسلحين، بالإضافة إلى قرية برنة شمال بلدة العيس وتلّتها الاستراتيجية. ومن المتوقّع أن تكون الأخيرة الهدف التالي لتقدّم الجيش، إذ تمنحه أفضلية عسكرية استثنائية لكي يتمكّن من استكمال السيطرة على الطريق الدولي حلب - حماة (M5)، وملاقاة القوات التي يُتوقع أن تستكمل طريقها على طول الطريق انطلاقاً من مدينة سراقب، لتلتحم بالأخرى المهاجِمة من ناحية العيس، في محيط ما يعرف بـ«الإيكاردا»، جنوب الزربة.
في خضمّ تلك التطورات، تسعى أنقرة، على ما يبدو، إلى «خفض التصعيد» في ريف إدلب الجنوبي على وجه التحديد. إذ، وبعدما بدا أن القوات التركية على وشك بدء عملية عسكرية في المنطقة لوقف تقدّم الجيش، عادت تركيا إلى الحديث عن أهمية التنسيق مع روسيا، والإبقاء على نقاط المراقبة، وعدم ابتداء أيّ قتال. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن مصدر أمني تركي قوله إن تركيا «لا تعتزم سحب قواتها من نقاط المراقبة» في محافظة إدلب، على رغم وجود ثلاث منها على الأقلّ في مناطق تخضع حالياً لسيطرة الحكومة السورية. وأضاف المصدر أن الدوريات التركية - الروسية المشتركة في شمال سوريا على الحدود مع تركيا «تأجّلت بسبب حالة الطقس، وليس الهجمات في إدلب».
وعلى رغم تراجع اللهجة التركية، وميلها إلى التهدئة، إلا أن أنقرة تحاول على ما يبدو استنفاد كلّ الوسائل في سعيها إلى وقف تقدّم الجيش السوري أو تحويل مساره، إذ أنها، وبالتوازي مع تفعيلها مجدّداً الخيارات الدبلوماسية والتفاوضية، تواصل إرسال التعزيزات العسكرية إلى محيط مدينة إدلب، وتحديداً إلى ريفها الشرقي. وبحسب وكالة «الأناضول» التركية، فإن «قافلة من 150 آلية عسكرية، تنقل تجهيزات وقوات، عَبَرت، أمس، الحدود التركية - السورية باتجاه إدلب». كما أنشأت القوات التركية نقطة مراقبة جديدة قرب بلدة سرمين في ريف إدلب الشرقي، وأخرى على الطريق الذي يصل سرمين بمدينة إدلب، فيما عزّزت حضورها في تفتناز شرقي إدلب. والظاهر أن تركيا تستهدف، من وراء هذه التحركات، رسم خطوط حمر أمام الجيش السوري، ودفعه إلى العزوف عن فكرة التقدّم نحو إدلب المدينة، والاكتفاء بالتقدّم على طول الطريق الدولي نحو حلب.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكّد، في وقت متأخر من ليل أول من أمس، أن موسكو على اتصال مع أنقرة في شأن الوضع في إدلب، وأن العسكريين الروس والأتراك يحاولون تسوية الوضع على الأرض. ولفت لافروف، خلال مؤتمر صحافي في ختام زيارته إلى المكسيك، إلى أن «زملاءنا الأتراك تعهّدوا بفصل المعارضة المسلحة عن إرهابيّي هيئة تحرير الشام»، مستدركاً بأنه «للأسف، حتى الآن يسيطر الإرهابيون على الأوضاع في منطقة إدلب، ويجب تنفيذ هذا الالتزام في نهاية المطاف». وأشار إلى أن «الالتزام الثاني هو إقامة ما يسمّى بشريط خال من أيّ أسلحة داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب، وحتى الآن لم يتمّ تحقيق هذا الهدف». من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس، أن وفداً روسياً سيصل إلى تركيا، اليوم السبت، لإجراء محادثات تهدف إلى وقف هجوم الحكومة السورية و«المضيّ قدماً نحو عملية سياسية». وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قال إن «ثمة إمكانية لعقد اجتماع لمسار أستانا حول سوريا خلال آذار المقبل»، مجدداً «رفض أنقرة تغيير حدود منطقة خفض التصعيد».
الجيش يطوّق العيس: نحو استكمال السيطرة على «M5»
بأيّ وسيلة ممكنة، تسعى أنقرة إلى وقف تقدّم الجيش السوري في عمق محافظة إدلب. وبعدما أخفق التصعيد العسكري والسياسي في تحقيق هذه الغاية، يبدو أن تركيا بدأت تجنح باتجاه الطرق الدبلوماسية، مخفِّضةً سقف خطابها نسبياً، وساعيةً لدى الجانب الروسي في وقف العملية أو حرفها عن مدينة إدلب. وفي الميدان، يحقق الجيش تقدّماً ملحوظاً في ريف حلب الجنوبي الغربي، بينما تشهد جبهات ريف إدلب الجنوبي هدوءاً لافتاً.