يبرود | تتنفّس مدينة يبرود، اليوم، الصعداء، بعد مرور خمس سنوات على تحرير الجيش السوري لها. لم يعد هنالك الكثير من آثار الحرب ودمارها، بفضل إصرار أهلها على الحياة ومحو بقايا الموت عن مشهدها اليومي. «الحمد لله، رجعنا نعيش ببيوتنا»، بهذه العبارة يصف أحد الأهالي حال المدينة وأهلها، كما لو أن حياة جديدة كُتبت لهم. يكرّس أهل المدينة التي تبعد عن دمشق 77 كم جهودهم في إحياء الدور الأهلي وتعزيزه، عبر أنشطة تطوعية يقوم بها شبان وشابات، كحملات أسبوعية لتنظيف المدينة، ورحلات اجتماعية للتعريف بحضارتها التي تعود إلى بدايات العصر الحجري. في هذه الأيام، تعجّ طرقات يبرود وأسواقها بالناس، خصوصاً أن المدينة شهدت عودة بعض مغتربيها من الخارج مع بدء فصل الصيف، وهي المشهورة بانتشار أبنائها خارج البلاد، ولا سيما في دول أميركا اللاتينية ودول الخليج. أما معاملها التي عادت إلى العمل بعد سنوات الحرب الطويلة، فهي تبشّر بعودة المدينة الصناعية الثانية في سوريا إلى سابق عهدها.
ماضٍ صناعي باهر
تعتبر مدينة يبرود الصناعية ثاني أهم مدينة صناعية في سوريا بعد مدينة حلب الصناعية، وفقاً لترتيب وزارة الصناعة وغرفة صناعة دمشق وريفها، بمساحة بلغت 5 هكتارات قياساً بتعداد سكاني للمدينة لا يتجاوز 60 ألف نسمة. في عامي 2013 و2014، شهدت المدينة الصناعية في يبرود انتكاسة كبيرة نتيجة سرقة المسلحين للمعامل، وإجبار الصناعيين على إغلاق منشآتهم. ومع عودة سيطرة الدولة السورية على المدينة منذ خمس سنوات، عاد عدد كبير من الصناعيين إلى منشآتهم. «مرحلة العودة هذه كانت مكلفة»، بحسب تعبير مدير مكتب القلمون التابع لغرفة صناعة دمشق وريفها، توفيق صوفان. وبينما تعود المدينة اليوم بطاقات إنتاجية مرتفعة، تصل إلى نسبة 90% في بعض الصناعات والمعامل، فإن مكتب القلمون يحدّد عدد المعامل المرخّصة من قِبَله في يبرود بما يقارب 320 معملاً، فيما يعمل 80 معملاً في الظل، لكن «لا إجراءات بحقها، إذ تحتاج المرحلة تكثيف العمل وتخطّي العقبات القانونية»، بينما لم تعد بعض المنشآت إلى العمل حتى اللحظة، نتيجة عدم عودة أصحابها لإحيائها.
تعتبر مدينة يبرود الصناعية ثاني أهم مدينة صناعية في سوريا بعد مدينة حلب الصناعية

ومن أبرز هموم صناعيي يبرود «مشاكل تصريف الإنتاج، وتوفير الموادّ الخام لصناعاتهم، وتوسيع المنطقة المكتظة بالمنشآت والحرفيين، إضافة إلى ضرورة توفير حوامل الطاقة المستمرة لتشغيل معاملهم»، وفق ما يوضح صوفان، الذي يؤكد أيضاً أن مكتب القلمون «حصل على موافقة محافظة ريف دمشق على إحداث مخطّط تنظيمي خاص وجديد للمنطقة الصناعية، ستبلغ مساحتها 77 هكتاراً وستضم ما يزيد على 1800 قسم».

هوية أثرية مهددة
تعتبر يبرود مدينة أثرية بامتياز. غير أن ضعف التسويق، وقلة الاهتمام بآثارها بما تتطلّبه من حماية، أثّرا سلباً بواقعها، لتصبح اليوم مكاناً لتجمّع القمامة والأتربة. وأثناء التجوال في كل ركن من أركان المدينة، لا بد من ملاحظة أن جميع المدافن الأثرية لملوك الرومان قد نُبشت خلال فترة سيطرة المسلحين على المنطقة، ثم جرى بيعها وتهريبها عبر لبنان إلى أوروبا. المؤرّخ مرعي البرادعي، أحد أبناء يبرود، الذي يعمل على حماية آثارها وإبراز حجم الضرر الذي لحق بها من غير أن تلقى مبادراته اهتماماً جدياً، يرى أن «ما جعل أعمال الحفر والتنقيب العشوائية تنتشر كثيراً بين سكان المنطقة، عدم تعاون الناس في الإبلاغ عنها». ويضيف المؤرخ اليبرودي أن «استهتار البلدية في تنظيف شوارع يبرود، وإهمالها جانب استثمار الآثار سياحياً، يهدّدان بقاء الوجه الأثري للمدينة».

راجعين!
تضفي زيارة المغتربين المدينة نوعاً من الراحة والاستقرار، إضافة إلى استقطاب أبنائها من سكان دمشق لقضاء الإجازات، واستعادة ذكريات أيام السلم والهدوء. هذا ما تؤكده سلاف حمود، ابنة يبرود القاطنة في دمشق، إذ تقول: «منذ سنوات لم أتجوّل في يبرود لزيارة معالمها الأثرية (...) رغم أن جدتي لم تغادر المدينة حتى خلال فترة الوجود المسلح». الكثير من ذكريات سلاف سُرقت مع أغراض منزلها، ولا سيما القطع الكهربائية الثمينة، إضافة إلى قطع أُخرى اشتراها والدها من بلدان عدة خلال فترة عمله في الخارج، بحسب ما ترويه اليبرودية التي تركت المدينة. بدوره، يلفت مالك، أحد أصحاب المعامل، العائد من السعودية بعد سنوات غربته الطويلة، إلى أن «المدينة اختلفت عن السنوات الأولى بعد الحرب». ويعبّر عن تفاؤل نادر، مشيراً إلى أنه «رغم الخسائر التي لحقت بمعمل العائلة، فإن الوضع اليوم أفضل مما كان عليه سابقاً».