الانسحاب المعلن للجنود الأميركيين سيكون «ممتداً زمنياً» بحسب التأكيدات الأخيرة للبنتاغون. فرنسا، من جهتها، أعلنت الإبقاء على قواتها في مسرح العمليات السوري ــ العراقي (بين 500 و700 جندي من القوات الخاصة ومن سلاحَي المدفعية والهندسة). باريس أوضحت نيتها متابعة المعركة ضد منظمة «الدولة الإسلامية»، وبخاصة ضد الجهاديين الفرنسيين، «الذين ما زالوا يشكلون تهديداً لبلدنا» بحسب تعبير وزيرة الجيوش فلورانس بارلي.وزارة الخارجية أوردت حجة أخرى: نريد احترام وعدنا لأصدقائنا الأكراد بالمشاركة المستمرة في الحرب إلى جانبهم... المشكلة هي أن الجنود الفرنسيين الموجودين في سوريا والعراق يعتمدون بشكل كامل على البنية اللوجستية الأميركية. أحد الأمثلة على هذا الاعتماد الكامل هي مدافع «Caesar» من عيار 155 مم، المستخدمة من القوات الفرنسية في المواجهات مع بقايا «داعش» على الحدود السورية ــ العراقية، والتي يشارك فيها حوالي 130 من رجال هذه القوات. وزن هذا السلاح 18 طناً، ويتم نقله بالطائرات. وبما أن طائرات النقل العسكري الفرنسية الأربع عشرة تستخدم في عملية «بركان» في بلدان الساحل الأفريقي، فإن نقل هذا السلاح يتم، كما عمليات الإسناد اللوجستي الأخرى، من قِبَل أسطول طائرات «C-17A» و «C-5 Glaxy» الأميركية، انطلاقاً من القواعد الجوية الخمس الموجودة شمال الفرات، والتي ستغادرها القوات الأميركية. وقد بدأت باريس تدرس إمكانية ترك المدافع الخمسة في سوريا أو تسليمها للجيش العراقي.
على جبهة الحرب على «داعش»، أعلن البيت الأبيض نصراً كاملاً عليها، ونهاية مهمة قواته. الواقع الميداني قد يكون أكثر تعقيداً. مصادر مختلفة من عدة أجهزة أمنية تعتبر أن ما يقارب 15000 جهادي «تبخّروا» أو لجأوا إلى الصحراء وواحاتها المتعددة. المصادر نفسها قدرت عدد المقاتلين الأجانب بين هؤلاء، القادمين من القوقاز وبلدان المغرب العربي وأوروبا، بحوالي الثلث. لدى «قوات سوريا الديموقراطية» اليوم 5 آلاف معتقل من الجهاديين وعائلاتهم، غالبيتهم من النساء والأطفال. يضم هذا العدد 103 من المواطنين الفرنسيين. الموقف غير الرسمي الفرنسي كان يفضل موت الجهاديين أو تسليمهم للسلطات العراقية. وقد بدأ قسم من المحامين الملتحفين براية حقوق الإنسان، كويليام بوردون مثلاً، حملة بهدف استعادتهم ليحاكموا في فرنسا أو ليخضعوا لبرامج مكافحة الراديكالية.
ولكن، وفقاً لبعض الدبلوماسيين، «خلف دخان المعركة ضد الإرهاب وقضية مصير المعتقلين، تسعى فرنسا للحفاظ على وجود عسكري، ولو بالحد الأدنى، لتحجز مقعداً في المفاوضات المستقبلية التي سترافق عملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي لسوريا». وبما أن الطرف الكردي عاد إلى التفاوض مع الحكومة في دمشق، فإن أكثر ما تخشاه باريس هو قيام «قسد» بتسليم الجهاديين الفرنسيين إلى السلطات السورية. سيعطي هذا الأمر، في حال حصوله، ورقة ضغط إضافية للرئيس السوري وفريقه في مواجهة فرنسا، التي لم يغفر لها موقفها منذ إغلاق سفارتها في دمشق في آذار/ مارس 2012.
الأكيد اليوم، استناداً إلى مصادر رفيعة دبلوماسية وعسكرية فرنسية، هو أن «الجهاديين الفرنسيين الذين نجحوا في الفرار من سوريا لا يقدرون إلا على التوجه إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط، أو في آسيا الوسطى، أو إلى منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا. من عاد منهم إلى فرنسا أو بلدان أوروبية يفترض أن يتم كشفه واعتقاله». على ضوء هذه المعطيات، يصبح الإبقاء على القوات الفرنسية في سوريا خاضعاً لاعتبارات سياسية واقتصادية غير تلك المعلنة. الطرف الكردي، الذي بات يتمتع بالدعم الإسرائيلي أيضاً، ما زال يراهن على المساندة اللوجستية الفرنسية على رغم علمه بأنه سيضطر، آجلاً أم عاجلاً، لأن يتخلى عن سلاحه أو أن ينضم إلى الجيش السوري.