أفضى الزخم المتصاعد للعمليات العسكرية في آخر مناطق درعا الحدودية مع القنيطرة إلى تقدم واسع للجيش، ودخوله تل الحارة والبلدة المجاورة، وقرى كفر شمس وكفرناسج وأم العوسج والطيحة وزمرين ونمر، بعد تثبيت نقاطه في مسحرة وتلّها. وأتى هذا التقدم بعد استهداف جوي مكثف طاول نقاط المسلحين في تل الحارة، ما أجبرهم على الانسحاب، في حين دخلت وحدات الجيش إلى البلدة من دون قتال، وفق اتفاق «التسوية» الذي سبق ووافقت عليه الفصائل المحلية داخلها. ولم تحدث أي مشكلات أمنية في عملية الدخول، باستثناء تفجير وقع في أطراف البلدة الجنوبية، قالت مصادر معارضة إن منفذه أحد عناصر «داعش»، قبل أن يتبناه التنظيم في بيان رسمي.
تصميم سنان عيسى | انقر الصورة للتكبير

وجاء هذا التقدم على جبهتي الحارة ومسحرة، ليهدد المسلحين المحاصرين في بلدتي عقربا والمال، بالحصار. ويتوقع أن يسيطر الجيش على هاتين البلدتين خلال وقت قصير، ليكون خط التماس قد وصل بلدات ريف القنيطرة. وبمجرد اكتمال التحرك على هذه الجبهة، ستكون بلدة نوى، هي المعقل الوحيد للفصائل المسلحة ضمن محافظة درعا، إلى جانب مناطق سيطرة «داعش» جنوباً. إذ يفترض أن تدخل بلدة جاسم المجاورة لنمر وإنخل، ضمن إطار المصالحة، بعد توافق أولي على ذلك خلال مفاوضات الأيام الماضية. كذلك في مدينة نوى، فإن المحادثات الهادفة للتوصل إلى «تسوية» محلية، ما زالت مستمرة. وتشير المعطيات القليلة المتوافرة، إلى أن فرص التفاهم كبيرة، على رغم التعقيدات الكبيرة التي عرقلته سابقاً، والتي تشمل وجود عناصر من «هيئة تحرير الشام» وعدد كبير من المدنيين النازحين من مناطق أخرى في ريف درعا.
بقي محيط نوى ووادي اليرموك خارج سيطرة الجيش في درعا


وسوف تنعكس سيطرة الجيش على هذه المنطقة، التي تضم عدداً من التلال الهامة من الناحية العسكرية، على العمليات المنتظرة في ريف القنيطرة. فتلّ الحارة (نحو 1090 متراً فوق مستوى البحر) الذي استعاده الجيش أمس، كان يعد واحداً من أهم نقاط الرصد والاستطلاع والاتصال للجيش، إلى جانب منظومة الدفاع الجوي، وبخاصة على جبهة الجولان حتى تشرين الأول عام 2014 حين سيطرت عليه الفصائل المسلحة. إذ يكشف التل المنطقة المحيطة به لمسافات بعيدة، وبخاصة غرباً نحو الأراضي المحتلة، مروراً بلدة بير عجم (تبعد عنه نحو 12.4 كيلومتر) ومحيطها. وسيساعد التمركز على قمة التل، وحدات الرصد وسلاح المدفعية، على تقييد حركة المسلحين على طول الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، من جهة، كما سيؤمن متابعة أفضل لتحركات العدو الإسرائيلي المتوقعة ضد النقاط العسكرية. ويتوقع أن تشهد بلدات ريف القنيطرة تصعيداً عسكرياً، من شأنه التمهيد لمفاوضات يقودها الجانب الروسي، على أن يستكمل حتى تحرير البلدات بالنار، في حال فشل مسار التفاهم. وقد يشكل وجود المدنيين، ممن نزحوا نحو الشريط الحدودي، في بلدات القنيطرة عاملاً إضافياً يدفع مسار التسوية. إذ كان لافتاً أمس، أنه ومع وصول الجيش إلى أطراف الحارة، بدأ عدد من أهالي البلدات المجاورة والتابعة للقنيطرة، تحركات شعبية تطالب بدخول الجيش من دون معارك، عبر تنسيق قادة الفصائل مع الجانب الحكومي. وساعد استقرار البلدات التي وقعت اتفاقات تسوية سابقاً، في دفع معظم الأهالي والمسلحين نحو تفضيل هذا الخيار.
واستكمل أمس تنفيذ الاتفاق الخاص بأحياء درعا البلد، من دون إخراج دفعة ثانية من الراغبين بالرحيل نحو الشمال السوري. ووصلت الدفعة الأولى (15 حافلة) ليل أول من أمس إلى ريف حماة الشمالي، حيث توزع المرحلون على متنها بين ريف حماة، وريفي إدلب وحلب. وبالتوازي، أكد نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن «الأمم المتحدة، التي لم تكن جزءاً من الاتفاقات المحلية التي أدت إلى عمليات الإجلاء تلك، تؤكد أن أي إجلاء للمدنيين يجب أن يكون آمناً وطوعياً وإلى المقصد الذي يختاره الذين تم إجلاؤهم». وشدد على أنه «من الحتمي أن يتمتع جميع النازحين من خلال الاتفاقيات المحلية بحق العودة بمجرد أن تسمح الأوضاع بذلك». ولفت إلى أن فريقاً من الأمم المتحدة، والهلال الأحمر العربي السوري، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، أوصلوا مساعدات إنسانية إلى منطقتي نصيب وأم المياذن في درعا، تكفي نحو 15 ألف شخص.